وقوله :﴿ فأغرينا بينهم العداوة ﴾ حقيقة الإغراء حَثّ أحدٍ على فعل وتحسينُه إليه حتّى لا يتوانى في تحصيله ؛ فاستعير الإغراء لتكوين ملازمة العداوة والبغضاء في نفوسهم، أي لزومهما لهم فيما بينهم، شُبّه تكوين العداوة والبغضاء مع استمرارهما فيهم بإغراء أحد أحداً بعمل يعمل تشبيه معقول بمحسوس.
ولمّا دلّ الظرف، وهو ﴿ بينَهم ﴾، على أنّهما أغْرِيَتَا بهم استُغني عن ذكر متعلّق ﴿ أغرينا ﴾.
وتقدير الكلام : فأغرينا العداوة والبغضاء بِهم كائنتين بينهم.
ويُشبه أن يكون العدول على تعدية "أغرينا" بحرف الجرّ إلى تعليقه بالظرف قرينة أو تجريداً لبيان أنّ المراد بـ ﴿ أغرينا ﴾ ألْقينا.
وما وقع في "الكشاف" من تفسير ﴿ أغرينا ﴾ بمعنى ألصقنا تطوّح عن المقصود إلى رائحة الاشتقاق من الغِرَاءِ، وهو الدهن الذي يُلْصق الخشب به، وقد تنوسي هذا المعنى في الاستعمال.
والعداوة والضمير المجرور بإضافة بينَ إليه يعود إلى النصارى لتنتسق الضّمائر.
والعداوَة والبغضاءُ اسمان لمعنيين من جنس الكراهية الشديدة، فهما ضدّان للمحبّة.
وظاهر عطف أحدِ الاسمين على الآخر في مواضع من القرآن، في هذه الآية وفي الآيتين بعدها في هذه السورة وفي آية سورة الممتحنة، أنّهما ليسا من الأسماء المترادفة ؛ لأنّ التزام العطف بهذا الترتيب بُبعِّد أن يكون لمجرّد التّأكيد، فليس عطف أحدهما على الآخر من قبيل عطف المرادف لمجرّد التّأكيد، كقوله عَدِي:
وألْفَى قَولهَا كَذِبا وَمَيْنا...
وقد ترك علماء اللّغة بيان التفرقة بين العداوة والبغضاء، وتابعهم المفسّرون على ذلك ؛ فلا تجد من تصدّى للفرق بينهما سوى الشيخ ابن عرفة التّونسي، فقال في "تفسيره" "العداوة أعمّ من البغضاء لأنّ العداوة سبب في البغضاء ؛ فقد يتعادى الأخ مع أخيه ولا يتمادى على ذلك حتّى تنشأ عنه المباغضة، وقد يتمادى على ذلك" أ هـ.