ولما تقدم الآية الثانية قول النصارى فى المسيح عليه السلام وإخباره تعالى عنهم بذلك فى قوله :"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم " وبين تعالى حال المسيح فى عبوديته وانسحاب القهر الربانى عليه كسائر المخلوقات فقال تعالى :"فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا..
الآية " ثم جمع أهل الكتابين فى التعريف بقولهم "نحن أبناء الله وأحباؤه " وليس هذا الإخبار كالمخبر به من حال اليهود فى قبيح عنادهم وشنيع تحريفهم ولم يجر خطاب النصارى وما عرف به من حالهم فى الكتاب العزيز على حد ما جرى فى ذلك فى يهود من التعنيف والتوبيخ وضرب الذلة واللعنة عليهم والبوء بالغضب، فلما كان هذا التعريف المتقدم على الآية الثانية أوطأ مساقا ودون ما تقدم الآية المتقدمة من التوبيخ والمبالغة فى شنعة المرتكب ناسب هذا ما بنى عليه واتبع به من قوله تعالى :"يأهل المكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " وفى هذا الخطاب استلطاف ورفق ولم يرد هنا ذكر تحريف ولا تبديل ليلائم ما تقدمه فى لين القول ووطأة الإخبار وتأمل التناسب بين الخطابين وما بنيا عليه يلح لك جليل الانتظام وعظيم التلاؤم وأن عكس الوارد لا يمكن ولا يلائم والله سبحانه أعلم. أ هـ ﴿ملاك التأويل صـ ١٢٣ ـ ١٢٤﴾


الصفحة التالية
Icon