ويتحدث الحق عن الكوة فقط ولا يتحدث عن الحجرة. وأي مصباح في الكوة قادر على إنارة الحجرة. ولننتبه إلى أن هذا المصباح غير عادي، فهو مصباح في زجاجة. ونعرف أن المصباح الذي في زجاجة هو من الارتقاءات الفكرية للبشر. فالمصابيح قديماً كانت بدون زجاجة وكان يخرج منها ألسنة من السَّناج " الهباب " الذي يُسوّد ما حولها، فالسَّناج أثر دخان السراج في الحائط وغيره. وقد ينطفئ المصباح لأن الهواء يهب من كل ناحية، ثم وضع الإنسان حول شعلة المصباح زجاجة تحمي النار وتركز النور وتعكس الأشعة ويأخذ المصباح من الهواء من خلال الزجاجة على قدر احتياج الاشتعال. ﴿ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ ﴾ [ النور : ٣٥ ]
أي أن النور من هذا المصباح أشد قوة ؛ لأن الزجاجة تعكس أشعة المصباح وتنشر الضوء في كل المكان. والزجاجة التي يوجد فيها هذا المصباح ليست عادية :﴿ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ [ النور : ٣٥ ]
والكوكب نفسه مضيء، وتكون الزجاجة كأنها هذا الكوكب الدري في ضيائه ولمعانه. والمصباح يوقد من ماذا؟. ﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ [ النور : ٣٥ ]
وهذا ارتقاء في إضاءة المصباح من زيت شجرة زيتون، والشجرة غير عادية :﴿ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ﴾ [ النور : ٣٥ ]
فهي شجرة يتوافر لها أدق أنواع الاعتدال :﴿ نُّورٌ على نُورٍ ﴾ [ النور : ٣٥ ]
ذلك هو من قدرة الله في نور الكونيات المادية، ولذلك فليس من المعقول أن يترك القيم والمعنويات بدون نور. فكما اهتدى الإنسان في الماديات فينبغي أن يفطن إلى قدرة الحق في هداية المعنويات، بدليل أن الله قال :﴿ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ [ النور : ٣٥ ]


الصفحة التالية
Icon