إذن يا أهل الكتاب قد جاءكم النور، وبين لكم الرسول كثيراً مما تختلفون فيه. وتسامح عن كثير من خطاياكم، ويريد أن يجري معكم تصفية شاملة. فعليكم أن تلتفتوا وتنتبهوا وتُعَدِّلوا من موقفكم من هذا الدين الجديد. ولتبحثوا ماذا يريد الله بهذا المنهج. والله قد ضرب المثل بالنور، وهذا النور يهدي إلى " افعل ولا تفعل ". ومن الذي يقول لنا إن هذا النور قادم من الله؟ إنه الرسول، ومن الذي يدلنا على أن الرسول صادق في البلاغ عن الله؟ الذي يدل على صدقه هو قول الله :﴿ يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ﴾ [ النساء : ١٧٤ ]
فالذي جاء أولا من ربكم هو البرهان على أن رسول الله صادق في البلاغ عن الله، وليبلغنا أن الكتاب قد جاء بالمنهج. والقرآن يتميز بأنه البرهان على صدق النبي وهو المنهج النوراني ؛ لأن البرهان هو الحجة على صدق الرسول في البلاغ عن الله.
ونعرف البرهان في حياتنا التعليمية أثناء دراسة مادة الهندسة عندما نقابل تمرينا هندسيا فنأخذ المعطيات وبعد ذلك ننظر إلى المطلوب إثباته. ونعيد النظر في المعطيات لنأخذ منها قوة للبرهنة على إثبات المطلوب. وإن كانت المعطيات لا تعطي ذلك فإننا نتجه إلى خطوة أخرى هي العمل على إثبات المطلوب. وهذا الكون فيه معطيات، وهو كون محكم، ونلمس إحكامه فيما لا دخل لحركتنا فيه :﴿ لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ الليل سَابِقُ النهار ﴾ [ يس : ٤٠ ]
كون موزون بالسماء والأرض وحركة الرياح وغير ذلك، وتلك الأمور التي لا دخل للإنسان فيها نجد القوانين فيها مستقيمة تمام الاستقامة وكمالها. فإن أراد الإنسان أن يأخذ المعطيات من الكون، فليأخذ في اعتباره النظر إلى الأمور التي للإنسان دخل فيها ولسوف يجدها تتعرض للفساد ؛ لأن الهوى في البشر له مدخل على هذه الأشياء.