وقد جاءت الرسل لتحل هذا اللغز ولتدلنا على مطلوب عقلي فطري، ولو أننا سلسلنا الوجود لوجدنا أن الإنسان هو سيد هذا الوجود ؛ لأن كل الكائنات تعمل وتجهد في خدمته. وأجناس الوجود كما نعرفها التي تخدم الإنسان هي الحيوان ويتميز عنه الإنسان بالعقل، وهناك جنس تحت الحيوان هو النبات فيه النمو، وهناك جنس أدنى وهو الجماد. وكل هذه الأجناس مهمتها خدمة الإنسان. والجماد ليس هو الشيء الجامد، بل الهواء جماد والشمس جماد والتربة جماد، وكل ذلك يمارس مهمته في الوجود لخدمة الأجناس الأعلى منها ويستفيد الإنسان منها جميعا والحيوان يستفيد من الجماد وكذلك النبات يستفيد من الجماد، والحيوان يستفيد من النبات والجماد، والمحصلة النهائية لخدمة الإنسان.
أليس من اللائق والواجب - إذن - أن يسأل الإنسان نفسه من الذي وهبه هذه المكانة؟ فإذا جاء الرسول ليحل هذا اللغز ويبلغنا أن الذي خلق الكون هو الله وهذه صفاته، ويبلغنا أن هذا المنهج جاء من الله ويحمل معه معجزةً هي دليل صدقِ البلاغِ عن الله، وهي معجزة لا يقدر عليها البشر، ويتحدى الرسول البشر أن يأتوا بمثل معجزته.
إذن فلا بد أن يؤمن كل البشر لو صَدَقُوا الفهم وأخلصوا النية.
ما هو البرهان إذن؟ البرهان هو المعجزة الدالة على صدق الرسول في البلاغ عن الله. هذا البلاغ عن الله الذي بحث عنه العقل الفطري وآمن أنه لا بد أن يكون موجودا، لكنه لم يتعرف على أنه " الله ". إن الرسول هو الذي يبلغنا عن اسم الخالق، وهو الذي يقدم لنا المنهج.
إذن فمجيء الرسل أمر منطقي تحتمه الفطرة ويحتمه العقل. ولذلك أنزل الحق النور العقدي، أنزل - سبحانه - المنهج ليحمي المجتمع من الاضطراب، ولذلك يقول الحق :﴿ وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض ﴾ [ المؤمنون : ٧١ ]