فكأننا أفسدنا المسألة.. أخذنا ما اتفقنا فيه لنفرض ما اختلفنا عليه.
إن الحق سبحانه وتعالى أعطانا كل هذه المسائل كي تستقيم الحياة، ولا تستقيم الحياة إلا إن كان الحق سبحانه وتعالى هو الذي يحسم في مسائل الهوى، ولذلك حتى في الريف يقولون :" من يقطع إصبعه الشرع لن يسيل منه دم " ؛ لأن الذي يقول ذلك مؤمن، أي أن الحكم حين يأتي من أعلى فلا غضاضة في أن نكون محكومين بمن خلقنا وخلق لنا الكون، وتدخلت السماء في مسألة الأهواء بالمنهج : افعل هذا ولا تفعل هذا، لكن ما ليس فيه أهواء أوضح سبحانه : أنتم ستتفقون فيها غصباً عنكم، بل ستسرقونها من بعضكم، إذن فلا خطر منها.
إن الخطر في أهوائكم. ولذلك اذكروا : أن رسول الله ﷺ في أمهات المسائل التي يترتب عليها حسن نظام المجتمع كما يريده الله كان - عليه الصلاة والسلام - يتحمل هو التجربة في نفسه، ولا يجعل واحداً من المؤمنين به يتحمل التجربة، فمسألة التبني حين أراد ربنا أن ينهيها حتى لا يدعي واحد آخر أنه ابنه وهو ليس أباه، أنهاها الله في رسوله ﷺ :﴿ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]
وفي مسألة الماديات والأهواء يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : إن النبي ﷺ مر بقوم يلقحون فقال :" لو لم تفعلوا لصلح " قال : فخرج شيصا، فمر عليهم فقال :" ما لنخلكم " قالوا : قلت كذا وكذا قال :" أنتم أعلم بأمر دنياكم " إنه - ﷺ - تركهم لتجربتهم.


الصفحة التالية
Icon