ولما بطل مدعاهم على أتقن منهاج وأخصره، وكان بما دق على بعض الأفهام، أوضحه بقوله :﴿قل﴾ دالاً على أن المسيح عليه السلام عبد مملوك لله، مسبباً عن كفرهم ﴿فمن يملك من الله﴾ أي الملك الذي له الأمر كله ﴿شيئاً﴾ أي من الأشياء التي يتوهم أنها قد تمنعه مما يريد، بحيث يصير ذلك المملوك أحق به منه ولا ينفذ له فيه تصرف ﴿إن أراد﴾ أي الله سبحانه ﴿أن يهلك المسيح﴾ وكرر وصفه بالنوبة إيضاحاً للمراد فقال :﴿ابن مريم﴾ وأزال الشبهة جداً بقوله :﴿وأمه﴾ ولما خصهما دليلاً على ضعفهما المستلزم للمراد، عم دلالة على عموم القدرة المستلزم لتمام القهر لكل من يماثلهما المستلزم لعجز الكل المبعد من رتبة الإلهية، فقال موضحاً للدليل بتسويتهما ببقية المخلوقات :﴿ومن في الأرض جميعاً﴾ أي فمن يملك منعه من ذلك.
ولما كان التقدير : فإن ذلك كله لله، يهلكه كيف شاء متى شاء، عطف عليه ما هو أعم منه، فقال معلماً بأنه - مع كونه مالكاً مَلِكاً - له تمام التصرف :﴿ولله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا شريك له ﴿ملك السماوات﴾ أي التي بها قيام الأرض ﴿والأرض وما بينهما﴾ أي ما بين النوعين وبين أفرادهما، بما به تمام أمرهما ؛ ثم استأنف قوله دليلاً على ما قبله ونتيجة له :﴿يخلق ما يشاء﴾ على أي كيفية أراد - كما تقدم أن له أن يعدم ما يشاء كذلك، فلا عجب في خلقه بشراً من أنثى فقط، لا بواسطة ذكر، حتى يكون سبباً في ضلال من ضل به، ولما دل ذلك على تمام القدرة على المذكور عم فقال :﴿والله﴾ أي ذو الجلال والإكرام ﴿على كل شيء﴾ أي من ذلك وغيره ﴿قدير ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤١٩ ـ ٤٢٠﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى :﴿لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ﴾
في الآية سؤال، وهو أن أحداً من النصارى لا يقول : إن الله هو المسيح ابن مريم، فكيف حكى الله عنهم ذلك مع أنهم لا يقولون به.


الصفحة التالية
Icon