﴿ وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاء الله ﴾ حكاية لما صدر من الفريقين من الدعوى الباطلة لأنفسهم، وبيان لبطلانها إثر ذكر ما صدر عن أحدهما من الدعوى الباطلة لغيره وبيان بطلانها أي قال كل من الطائفتين هذا القول الباطل، ومرادهم بالأبناء المقربون أي نحن مقربون عند الله تعالى قرب الأولاد من والدهم، وبالأحباء جمع حبيب بمعنى محب أو محبوب، ويجوز أن يكون أرادوا من الأبناء الخاصة كما يقال : أبناء الدنيا، وأبناء الآخرة، وأن يكون أرادوا أشياع من وصف بالبنوة أي قالت اليهود نحن أشياع ابنه عزير، وقالت النصارى : نحن أشياع ابنه المسيح عليهما السلام، وأطلق الأبناء على الأشياع مجازاً إما تغليباً أو تشبيهاً لهم بالأبناء في قرب المنزلة، وهذا كما يقول أتباع الملك : نحن الملوك، وكما أطلق على أشياع أبي خبيب عبد الله بن الزبير الخبيبون في قوله :
قدنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبِيْنَ قَدِي...
على رواية من رواه بالجمع، فقد قال ابن السكيت : يريد أبا خبيب ومن كان معه، فحيث جاز جمع خبيب وأشياع أبيه فأولى أن يجوز جمع ابن الله عز اسمه وأشياع الابن بزعم الفريقين، فاندفع ما قيل : إنهم لا يقولون ببنوة أنفسهم ولم يحمل على التوزيع بمعنى أنفسنا الأحباء وأبناؤنا الأبناء بجمع الإبنين لمشاكلة الأحباء لأن خطاب ﴿ بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ ﴾ يأباه ظاهراً ويدل على ادعائهم البنوة بأي معنى كان.
وقيل : الكلام على حذف المضاف أي نحن أبناء أنبياء الله تعالى وهو خلاف الظاهر، وقائل ذلك من اليهود بعضهم، ونسب إلى الجميع لما مر غير مرة، فقد أخرج ابن جرير.


الصفحة التالية
Icon