والارتداد : الرجوع، ومعنى الرجوع على الأدبار إلى جهة الأدبار، أي الوراء لأنّهم يريدون المكان الذي يمشي عليه الماشي وهو قد كان من جهة ظهره، كما يقُولون : نكص على عقبيه، وركبوا ظهورهم، وارتدّوا على أدبارهم، وعلى أعقابهم، فعدّي بـ ﴿ على ﴾ الدالّة على الاستعلاء، أي استعلاء طريق السير، نزّلت الأدبار الّتي يكون السير في جهتها منزلة الطريق الّذي يسار عليه.
والانقلاب : الرجوع، وأصله الرجوع إلى المنزل قال تعالى :﴿ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ﴾ [ آل عمران : ١٧٤ ].
والمراد به هنا مطلق المصير. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾

فصل


قال القرطبى :
ولما خرجت بنو إسرائيل من مصر أمرهم بجهاد أهل أرِيحاء من بلاد فلسطِين فقالوا : لا علم لنا بتلك الديار ؛ فبعث بأمر الله اثني عشر نقيباً، من كل سِبط رجل يتجسسون الأخبار على ما تقدم، فرأوا سكانها الجبارين من العمالقة، وهم ذوو أجسام هائلة ؛ حتى قيل : إن بعضهم رأى هؤلاء النقباء فأخذهم في كُمّه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملِك فنثرهم بين يده وقال : إن هؤلاء يريدون قِتالنا ؛ فقال لهم الملِك : ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا ؛ على ما تقدم.
وقيل : إنهم لما رجعوا أخذوا من عِنب تلك الأرض عنقوداً فقيل : حمله رجل واحد، وقيل : حمله النقباء الاثنا عشر.
قلت : وهذا أشبه ؛ فإنه يُقال : إنهم لما وصلوا إلى الجبارين وجدوهم يدخل في كُمّ أحدهم رجلان منهم، ولا يحمل عنقود أحدهم إلاَّ خمسة منهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبه خمسة أنفس أو أربعة.
قلت : ولا تعارض بين هذا والأول ؛ فإن ذلك الجبار الذي أخذهم في كُمّه ويُقال : في حجره وهو عُوج بن عناق وكان أطولهم قامة وأعظمهم خَلْقاً ؛ على ما يأتي من ذكره إن شاء الله تعالى.
وكان طول سائرهم ستة أذرع ونصف في قول مقاتل.
وقال الكَلْبيّ : كان طول كل رجل منهم ثمانين ذراعاً (١)، والله أعلم.
_______
(١) هذا الكلام فيه نظر وهو مخالف لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال :"إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن". والله أعلم.
فلما أذاعوا الخبر ما عدا يوشع وكالب بن يوقنا، وامتنعت بنو إسرائيل من الجهاد عوقبوا بالتيه أربعين سنة إلى أن مات أُولئك العصاة ونشأ أولادهم، فقاتلوا الجبارين وغلبوهم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon