ثم قال القوم ﴿وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخلون﴾ وإنما قالوا هذا على سبيل الاستبعاد كقوله تعالى :﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِى سَمّ الخياط﴾ [ الأعراف : ٤٠ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٥٨﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قَالُوا يا موسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ ﴾ أي عظام الأجسام طوالٌ، وقد تقدّم ؛ يُقال : نخلة جبارة أي طويلة.
والجبار المتعظم الممتنع من الذلّ والفقر.
وقال الزجاج : الجبار من الآدميين العاتي، وهو الذي يجبِر الناس على ما يريد ؛ فأصله على هذا من الإجبار وهو الإكراه ؛ فإنه يجبِر غيره على ما يريده ؛ وأجبره أي أكرهه.
وقيل : هو مأخوذ من جبر العظم ؛ فأصل الجبار على هذا المصلح أمر نفسه، ثم استعمل في كل من جرّ لنفسه نفعاً بحق أو باطل.
وقيل : إنّ جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه.
قال الفرّاء : لم أسمع فعّالاً من أفعل إلاَّ في حرفين ؛ جَبّار من أجبر ودرّاك من أدرك.
ثم قيل : كان هؤلاء من بقايا عاد.
وقيل : هم من ولد عِيصو بن إسحاق، وكانوا من الروم، وكان معهم عوج الأعنق، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعاً ؛ قاله ابن عمر، وكان يحتجِن السحاب أي يجذبه بمحجنه ويشرب منه، ويتناول الحوت من قاع البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله.
وحضر طوفان نوح عليه السَّلام ولم يجاوز ركبتيه وكان عمره ثلاثة آلاف وستمائة سنة، وأنه قلع صخرة على قدر عسكر موسى ليرضخهم بها، فبعث الله طائراً فنقرها ووقعت في عنقه فصرعته.
وأقبل موسى عليه السَّلام وطوله عشرة أذرع ؛ وعصاه عشرة أذرع وترقى في السماء عشرة أذرع فما أصاب إلاَّ كعبه وهو مصروع فقتله.
وقيل : بل ضربه في العِرق الذي تحت كعبه فصرعه فمات ووقع على نيل مصر فجسَرهم سنة.
ذكر هذا المعنى باختلاف ألفاظ محمد بن إسحاق والطَّبريّ ومكيّ وغيرهم.
وقال الكَلْبيّ : عوج من ولد هاروت وماروت حيث وقعا بالمرأة فحملت.
والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا ﴾ يعني البلدة إيلياء، ويُقال : أَرِيحاء ﴿ حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا ﴾ أي حتى يسلموها لنا من غير قتال.
وقيل : قالوا ذلك خوفاً من الجبارين ولم يقصِدوا العِصيان ؛ فإنهم قالوا :﴿ فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾