الثاني : إذا فسرنا ذلك التحريم بتحريم التعبد فقد زال السؤال لاحتمال أن الله تعالى حرّم عليهم الرجوع إلى أوطانهم، بل أمرهم بالمكث في تلك المفازة أربعين سنة مع المشقة والمحنة جزاءً لهم على سوء صنيعهم، وعلى هذا التقدير فقد زال الإشكال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٠﴾
وقال الآلوسى :
﴿ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ متعلق بمحرمة فيكون التحريم مؤقتاً لا مؤبداً فلا يكون مخالفاً لظاهر قوله تعالى :﴿ كَتَبَ الله لَكُمْ ﴾ [ المائدة : ٢١ ] والمراد بتحريمها عليهم أنه لا يدخلها أحد منهم هذه المدة لكن لا بمعنى أن كلهم يدخلونها بعدها، بل بعضهم ممن بقي حسبما روي أن موسى عليه السلام سار بمن بقي من بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة، وكان يوشع بن نون على مقدمته ففتحها وأقام بها ما شاء الله تعالى ثم قبض عليه السلام، وروى ذلك عن الحسن ومجاهد، وقيل : لم يدخلها أحد ممن قال :﴿ لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَداً ﴾ [ المائدة : ٢٤ ] وإنما دخلها مع موسى عليه السلام النواشي من ذرياتهم، وعليه فالمؤقت بالأربعين في الحقيقة تحريمها على ذرياتهم وإنما جعل تحريمها عليهم لما بينهما من العلاقة التامة.
وقوله تعالى :﴿ يَتِيهُونَ فِى الأرض ﴾ استئناف لبيان كيفية حرمانهم، وقيل : حال من ضمير ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾، والتيه : الحيرة، ويقال : تاه يتيه ويتوه، وهو أتوه وأتيه، فهو مما تداخل فيه الواو والياء، والمعنى يسيرون متحيرين وحيرتهم عدم اهتدائهم للطريق.


الصفحة التالية
Icon