(الثَّانِي) : جَعْلُهُمْ مُلُوكًا، لَوْلَا مَا وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَكَانَتْ هَذِهِ النِّعْمَةُ مَوْضِعَ اشْتِبَاهٍ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ الضُّعَفَاءِ فِي فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ ; لِأَنَّ بَنَى إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُلُوكٌ عَلَى عَهْدِ مُوسَى ؛ وَإِنَّمَا كَانَ أَوَّلَ مُلُوكِهِمْ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ لِكَلِمَةِ مَلِكٍ وَمُلُوكٍ شَاوِلُ بْنُ قَيْسٍ، ثُمَّ دَاوُدُ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ، وَإِنَّ مَنْ يَفْهَمُ الْعَرَبِيَّةَ حَقَّ الْفَهْمُ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَعَلَ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ رُؤَسَاءً لِلْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ يَسُوسُونَهَا وَيَحْكُمُونَ بَيْنَهَا، وَلَا أَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَهُمْ مُلُوكًا ; لِأَنَّهُ قَالَ :(وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا) وَلَمْ يَقُلْ : وَجَعَلَ فِيكُمْ مُلُوكًا، كَمَا قَالَ :(جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ) فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ صَارُوا مُلُوكًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِـ " كُلٍّ " الْمَجْمُوعُ لَا الْجَمِيعُ ; أَيْ إِنَّ مُعْظَمَ رِجَالِ الشَّعْبِ صَارُوا مُلُوكًا، بَعْدَ أَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ عَبِيدًا لِلْقِبْطِ، بَلْ مَعْنَى الْمَلِكِ هُنَا الْحُرُّ الْمَالِكُ لِأَمْرِ نَفْسِهِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِ أَهْلِهِ، فَهُوَ تَعْظِيمٌ لِنِعْمَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ بَعْدَ ذَلِكَ الرِّقِّ وَالِاسْتِعْبَادِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرُ الْمَأْثُورُ ; فَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا عِنْدَ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ :" كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ خَادِمٌ وَدَابَّةٌ وَامْرَأَةٌ كُتِبَ مَلِكًا "، وَفِي حَدِيثِ


الصفحة التالية
Icon