فصل


قال الفخر :
لفظ الندم وضع للزوم، ومنه سمي النديم نديماً لأنه يلازم المجلس.
وفيه سؤال : وهو أنه ﷺ قال :"الندم توبة" فلما كان من النادمين كان من التائبين فلم لم تقبل توبته ؟
أجابوا عنه من وجوه :
أحدها : أنه لما لم يعلم الدفن إلا من الغراب صار من النادمين على حمله على ظهره سنة، والثاني : أنه صار من النادمين على قتل أخيه، لأنه لم ينتفع بقتله، وسخط عليه بسببه أبوه وإخوته، فكان ندمه لأجل هذه الأسباب لا لكونه معصية، والثالث : أن ندمه كان لأجل أنه تركه بالعراء استخفافاً به بعد قتله، فلما رأى أن الغراب لما قتل الغراب دفنه ندم على قساوة قلبه وقال : هذا أخي وشقيقي ولحمه مختلط بلحمي ودمه مختلط بدمي، فإذا ظهرت الشفقة من الغراب على الغراب ولم تظهر مني على أخي كنت دون الغراب في الرحمة والأخلاق الحميدة فكان ندمه لهذه الأسباب، لا لأجل الخوف من الله تعالى فلا جرم لم ينفعه ذلك الندم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٦ ـ ١٦٧﴾
وقال ابن الجوزى :
فإن قيل : أليس الندم توبة، فَلِم لم يقبل منه؟ فعنه أربعة أجوبة.
أحدها : أنه يجوز أن لا يكون الندم توبة لمن تقدَّمنا، ويكون توبة لهذه الأمة، لأنها خصّت بخصائِص لم تشارَك فيها، قاله الحسن بن الفضل.
والثاني : أنه ندم على حمله لا على قتله.
والثالث : أنه ندم إِذ لم يواره حين قتله.
والرابع : أنه ندم على فوات أخيه، لا على ركوب الذنب.
وفي هذه القصّة تحذير من الحسد، لأنه الذي أهلك قابيل. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon