وظاهر الآية أن هابيل هو أوّل ميت من بني آدم ؛ ولذلك جُهِلت سُنّة المواراة ؛ وكذلك حكى الطبريّ عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بما في كتب الأوائل.
وقوله "يَبْحَثُ" معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره.
ومن هذا سميت سورة "براءة" البحوث ؛ لأنها فتشت عن المنافقين ؛ ومن ذلك قول الشاعر :
إن الناس غطّوني تغطّيتُ عنهم...
وإن بحثوني كان فيهم مباحثُ
وفي المثل : لا تكن كالباحث على الشَّفْرة ؛ قال الشاعر :
فكانت كعَنْزِ السُّوء قامت برجلِها...
إلى مُدْية مدفونة تَسْتَثيرُها
الثانية بعث الله الغراب حكمة ؛ ليري ابن آدم كيفية المواراة، وهو معنى قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [ عبس : ٢١ ] فصار فعل الغراب في المواراة سنّة باقية في الخلق، فرضاً على جميع الناس على الكفاية، من فعله منهم سقط فرضه عن الباقين.
وأخص الناس به الأقربون الذين يلونه، ثم الجيرة، ثم سائر المسلمين.
وأما الكفار فقد روى أبو داود " عن عليّ قال : قلت للنبيّ ﷺ إن عمك الشيخ الضال قد مات ؛ قال :"اذهب فوارِ أباك التراب ثم لا تُحدِثَنّ شيئاً حتى تأتيني" فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي ".


الصفحة التالية
Icon