وقال ابن عاشور :
وقوله في الجواب ﴿ إنّما يتقبّل الله من المتّقين ﴾ موعظة وتعريض وتنصّل ممّا يوجب قتله.
يقول : القبول فعل الله لا فعل غيره، وهو يتقبّل من المتّقي لا من غيره.
يعرّض به أنّه ليس بتَقِي، ولذلك لم يتقبّل الله منه.
وآية ذلك أنّه يضمر قتل النفس.
ولذا فلا ذَنب، لمن تقبّل الله قربانه، يستوجبُ القتلَ.
وقد أفاد قول ابن آدم حصرَ القبول في أعمال المتّقين.
فإذا كان المراد من المتّقين معناه المعروف شرعاً المحكي بلفظه الدالّ عليه مراد ابن آدم كان مفاد الحصر أنّ عمل غير المتّقي لا يقبل ؛ فيحتمل أنّ هذا كان شريعتهم، ثمّ نسخ في الإسلام بقبول الحسنَات من المؤمن وإن لم يكن متّقياً في سائر أحواله ؛ ويحتمل أنْ يراد بالمتّقين المخلصون في العمل، فيكون عدم القبول أمارة على عدم الإخلاص، وفيه إخْراج لفظ التّقوى عن المتعارف ؛ ويحتمل أن يريد بالتقبّل تقبّلاً خاصّاً، وهو التّقبل التّامّ الدالّ عليه احتراق القربان، فيكون على حدّ قوله تعالى :﴿ هُدى للمتّقين ﴾ [ البقرة : ٢ ]، أي هدى كاملاً لهم، وقوله :﴿ والآخرة عند ربّك للمتّقين ﴾ [ الزخرف : ٣٥ ]، أي الآخرة الكاملة ؛ ويحتمل أن يريد تقبّل القرابين خاصّة ؛ ويحتمل أن يراد المتّقّين بالقربان، أي المريدين به تقوى الله، وأنّ أخاه أراد بقربانه بأنّه المباهاة.
ومعنى هذا الحصر أنّ الله لا يتقبّل من غير المتّقين وكان ذلك شرعَ زمانهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾