الْمُبَالَغَةُ وَتَجَاوُزُ مَا اعْتَادَهُ الْأَشْرَارُ فِيهِ ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ :(فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) (١٧ : ٣٣) فَهُوَ نَهْيٌ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَتَجَاوَزَ حَدَّ الْقِصَاصِ إِلَى قَتْلِ غَيْرِ الْقَاتِلِ، أَوْ تَعْذِيبِ الْقَاتِلِ وَالتَّمْثِيلِ بِهِ.
وَأَكْبَرُ الْعِبَرِ فِي الْآيَةِ أَنَّ قِصَّةَ ابْنَيْ آدَمَ أَقْدَمُ قِصَّةٍ تَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ الْحَسَدَ كَانَ مَثَارَ أَوَّلِ جِنَايَةٍ فِي الشَّرِّ، وَلَا يَزَالُ هُوَ الَّذِي يُفْسِدُ عَلَى النَّاسِ أَمْرَ اجْتِمَاعِهِمْ، مِنِ اجْتِمَاعِ الْعَشِيرَةِ
فِي الدَّارِ إِلَى اجْتِمَاعِ الْقَبِيلَةِ إِلَى اجْتِمَاعِ الدَّوْلَةِ. فَتَرَى الْحَاسِدَ تَثْقُلُ عَلَيْهِ نِعْمَةُ اللهِ عَلَى أَخِيهِ فِي النَّسَبِ أَوِ الْجِنْسِ أَوِ الدِّينِ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِثْلِهَا لِيَنَالَهَا، فَيَبْغِي عَلَى أَخِيهِ، وَلَوْ بِمَا فِيهِ شَقَاؤُهُ هُوَ. وَأَكْبَرُ الْمَوَانِعِ لِارْتِقَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْآنَ هُوَ الْحَسَدُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِهِ، لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ الْأُمَمَ لَا تَرْتَقِي إِلَّا بِنُهُوضِ الْمُصْلِحِينَ بِهَا، وَكُلَّمَا قَامَ فِينَا مُصْلِحٌ تَصَدَّى الْحَاسِدُونَ لِإِحْبَاطِ عَمَلِهِ.