ولماذا جاء الحق بعقابٍ للفساد في الأرض؟. مدلول الأرض : أنها المنطقة التي استخلف الحق فيها البشر، وساعة يقول الحق :﴿ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض ﴾ فمعنى ذلك أن كل فساد عائد على كل مظروف في الأرض. وأول مظروف في الأرض أو السيد لها هو الإنسان. وعندما نفسد في الإنسان، فهذا معناه قتل الإنسان.
إذن لا بد أن يكون الفساد في أشياء أخرى : هي الأكوان أو الأجناس الأخرى ؛ الحيوانات والنباتات والجمادات. والفساد في هذه الكائنات بكون بإخراجها عن مستحوزها ملكيةً، كأن تسطو جماعة على بضاعة إنسان آخر، أو أن يأخذ واحد ثمار زرع لأحد، أو أن يأخذ بعضاً من إنتاج منجم منجنيز أو حديد أو خلافه.
إن الفساد نوعان : فساد في الأرض وهو متعلف بالمظروف في الأرض، والمظروف في الأرض سيد وهو الإنسان، والفساد فيه قتله أو أن تُسبب له اختلالاً في أمنه النفسي كالقلق والاضطراب والخوف. ونلحظ أن الحق سبحانه قد امْتَنّ على قريش بأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
إذن فمن الفساد تفزيع الناس وترويعهم وهو قسمان : قسم تُفَزِّع فيه مَن لك عنده ثأر أو بينك وبينه ضغينة أو بُغض، أو أن تُفَزِّع قوماً لا علاقة بينك وبينهم ولم يصنعوا معك شيئاً. فمن يعتدي على إنسان بينه وبينه مشكله أو عداوة أو بغضاء، لا نُسمّيه خارجاً على الشريعة ؛ بأخذ حقه، ولكنه لا يستوفي في حقه بيده بل لا بد من حاكم يقوم بذلك كي ينضبط الأمر ويستقيم، إنه يخرج على الشريعة فقط في حالة العُدوان.
أما الذي يذهب للاعتداء على الناس ولم يكن بينه وبينهم عداء ؛ فهذه هي الحرابة. كأن يخرج ليقطع الطريق على الناس ويخيف كل من يلقاه ويُسبِّب له القلق والرّعب والخوف عللى نفسه وماله، والمال قد يكون من جنس الحيوان أو جنس النبات أو جنس الجماد. وذلك ما يسميه الشرع حرابة وستأتي لها آية مخصوصة.