﴿ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل : أنه من قتل نفساً - بغير نفس أو فساد في الأرض - فكأنما قتل الناس جميعاً ؛ ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ؛ ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ﴾.
من أجل ذلك.. من أجل وجود هذه النماذج في البشرية.. من أجل الاعتداء على المسالمين الوادعين الخيرين الطيبين، الذين لا يريدون شراً ولا عدواناً.. ومن أجل أن الموعظة والتحذير لا يجديان في بعض الجبلات المطبوعة على الشر ؛ وأن المسالمة والموادعة لا تكفان الاعتداء حين يكون الشر عميق الجذور في النفس.. من أجل ذلك جعلنا جريمة قتل النفس الواحدة كبيرة كبيرة، تعدل جريمة قتل الناس جميعاً ؛ وجعلنا العمل على دفع القتل واستحياء نفس واحدة عملاً عظيماً يعدل إنقاذ الناس جميعاً.. وكتبنا ذلك على بني إسرائيل فيما شرعنا لهم من الشريعة ( وسيأتي في الدرس التالي في سياق السورة بيان شريعة القصاص مفصلة ).
إن قتل نفس واحدة - في غير قصاص لقتل، وفي غير دفع فساد في الأرض - يعدل قتل الناس جميعاً. لأن كل نفس ككل نفس ؛ وحق الحياة واحد ثابت لكل نفس. فقتل واحدة من هذه النفوس هو اعتداء على حق الحياة ذاته ؛ الحق الذي تشترك فيه كل النفوس. كذلك دفع القتل عن نفس، واستحياؤها بهذا الدفع - سواء كان بالدفاع عنها في حالة حياتها أو بالقصاص لها في حالة الاعتداء عليها لمنع وقوع القتل على نفس أخرى هو استحياء للنفوس جميعاً، لأنه صيانة لحق الحياة الذي تشترك فيه النفوس جميعاً.