فقوله :﴿ إنّي أخاف الله ﴾ يدلّ على أنّ الدّفاع بما يفضي إلى القتل كان محرّماً وأنّ هذا شريعة منسوخة لأنّ الشّرائع تبيح للمُعتدَى عليه أن يدافع عن نفسه ولو بقتل المعْتدي، ولكنّه لا يتجاوز الحدّ الّذي يحصل به الدّفاع.
وأمّا حديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار" فذلك في القتال على المُلْك وقصد التغالب الّذي ينكفّ فيه المعتدي بتسليم الآخر له ؛ فأمر رسول الله ﷺ أصْلَح الفريقين بالتّسليم للآخر وحمل التَبِعَة عليه تجنّباً للفتنة، وهو الموقف الّذي وقفه عثمان رضي الله عنه رجاء الصلاح. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
سؤالان :
السؤال الأول : وهو أنه لم لم يدفع القاتل عن نفسه مع أن الدفع عن النفس واجب ؟ وهب أنه ليس بواجب فلا أقل من أنه ليس بحرام، فلم قال ﴿إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين ﴾.
والجواب من وجوه :
الأول : يحتمل أن يقال : لاح للمقتول بأمارات تغلب على الظن أنه يريد قتله فذكر له هذا الكلام على سبيل الوعظ والنصيحة، يعني أنا لا أجوز من نفسي أن أبدأك بالقتل الظلم العدوان، وإنما لا أفعله خوفاً من الله تعالى، وإنما ذكر له هذا الكلام قبل إقدام القاتل على قتله وكان غرضه منه تقبيح القتل العمد في قلبه، ولهذا يروى أن قابيل صبر حتى نام هابيل فضرب رأسه بحجر كبير فقتله.
والوجه الثاني في الجواب : أن المذكور في الآية قوله ﴿مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ﴾ يعني لا أبسط يدي إليك لغرض قتلك، وإنما أبسط يدي إليك لغرض الدفع.
وقال أهل العلم : الدافع عن نفسه يجب عليه أن يدفع بالأيسر فالأيسر، وليس له أن يقصد القتل بل يجل عليه أن يقصد الدفع، ثم إن لم يندفع إلا بالقتل جاز له ذلك.
الوجه الثالث : قال بعضهم : المقصود بالقتل إن أراد أن يستسلم جاز له ذلك، وهكذا فعل عثمان رضي الله تعالى عنه.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لمحمد بن مسلمة :" ألق كمك على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ".
الوجه الرابع : وجوب الدفع عن النفس أمر يجوز أن يختلف باختلاف الشرائع.
وقال مجاهد : إن الدفع عن النفس ما كان مباحاً في ذلك الوقت.
السؤال الثاني : لم جاء الشرط بلفظ الفعل، والجزاء بلفظ اسم الفاعل، وهو قوله ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ ﴾.
والجواب : ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع، ولذلك أكده بالباء المؤكد للنفي. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٦٣ ـ ١٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon