وقيل : هو استفهام، أي أو إني أريد؟ على جهة الإنكار ؛ كقوله تعالى :﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ] أي أو تلك نعمة؟ وهذا لأن إرادة القتل معصية ؛ حكاه القشيري وسئل أبو الحسن بن كَيْسان : كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار؟ فقال إنما وقعت الإرادة بعد ما بسط يده إليه بالقتل ؛ والمعنى : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني لأمتنعنّ من ذلك مريداً للثواب ؛ فقيل له : فكيف قال : بإثمي وإثمك ؛ وأي إثم له إذا قتل؟ فقال : فيه ثلاثة أجوبة ؛ أحدها أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل قربانك ؛ ويروى هذا القول عن مجاهد.
والوجه الآخر أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي ؛ لأنه قد يأثم بالاعتداء وإن لم يقتل.
والوجه الثالث أنه لو بسط يده إليه أَثِم ؛ فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك فإثمه يرجع على صاحبه.
فصار هذا مثل قولك : المال بينه وبين زيد ؛ أي المال بينهما، فالمعنى أن تبوء بإثمنا.
وأصل باء رجع إلى المَبَاءة، وهي المنزل.
﴿ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله ﴾ [ البقرة : ٦١ ] أي رجعوا.
وقد مضى في "البقرة" مستوفى.
وقال الشاعر :
ألاَ تَنْتَهي عَنَّا مُلُوكٌ وتَتَّقي...
مَحارِمَنا لا يبُؤ الدَّمُ بالدَّمِ
أي لا يرجع الدّم بالدم في القود.
﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النار ﴾ دليل على أنهم كانوا في ذلك الوقت مكلّفين قد لحقهم الوعد والوعيد.
وقد استدل بقول هابيل لأخيه قابيل :﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النار ﴾ على أنه كان كافراً ؛ لأن لفظ أصحاب النار إنما ورد في الكفار حيث وقع في القرآن.
وهذا مردود هنا بما ذكرناه عن أهل العلم في تأويل الآية.
ومعنى ﴿ مِنْ أَصْحَابِ النار ﴾ مدّة كونك فيها.
والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon