وقال الآلوسى :
﴿ إِنّى أُرِيدُ أَنْ تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ ﴾ تعليل آخر لامتناعه عن البسط، ولما كان كل منهما علة مستقلة لم يعطف أحدهما على الآخر إيذانا بالاستقلال ودفعاً لتوهم أن يكون جزء علة لاعلة تامة، ﴿ وأصل البوء اللزوم، وفي "النهاية" : أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي أي ألتزم وأرجع وأقر ﴾، والمعنى إني أريد باستسلامي وامتناعي عن التعرض لك أن ترجع بإثمي أي تتحمله لو بسطت يدي إليك حيث كنت السبب له، وأنت الذي علمتني الضرب والقتل، وإثمك حيث بسطت إلي يدك، وهذا نظير ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً ﴿ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير وَمَن يُسْلِمْ ﴾ كذا في "الكشاف"، قيل : وفيه نظر لأن حاصل ما قرره أن على البادىء إثمه ومثل إثم صاحبه إلا أن يتعدى الصاحب فلا يكون هذا المجموع على البادىء، ولا دلالة فيه على أن المظلوم إذ لم يتعد كان إثمه المخصوص بسببه ساقطاً عنه اللهم إلا بضميمة تنضم إليه، وليس في اللفظ ما يشعر بها، ورده في "الكشف" بأنه كيف لا يدل على سقوطه عنه، وقوله عليه الصلاة والسلام :"فعلى البادىء" مخصص ظاهر، وقول "الكشاف" :"إلا أن الإثم محطوط" نفسير لقوله :"فعلى البادىء" وقوله : فعليه إثم سبه، ومثل إثم سب صاحبه تفسير لقوله : ما قالا، فكما يدل على أن عليه إثماً مضاعفاً يدل على أن إثم صاحبه ساقط.