وأحسن منه أن يكون الأمر لموسى عليه السلام عطفاً على النهي في لاتاس، والمعنى أن الأرض المقدسة مكتوبة لهم كما قَدمته أنت أول القصة في قولك :﴿التي كتب الله لكم﴾ [ المائدة : ٢١ ] فأنا مورثها لا محالة لأبنائهم وأنت متوفٍ قبل دخولها، وقد أجريت سنتي في ابني آدم بأنهم إذا توطنوا واستراحوا تحاسدوا، وإذا تحاسدوا تدابروا فقتل بعضهم بعضاً، فاتل عليهم هذه القصة لتكون زاجرة لهم من أن يفعلوا ذلك إذا فرغوا من الجبابرة وأبادوهم وصفت لهم البلاد فتوطنوها، وأخرجت لهم بركاتها فأبطرتهم النعم، ونسوا غوائل النقم ؛ ويكون ذلك وعظاً لهذه الأمة ومانعاً من فعل مثل ذلك بعد إكمال دينهم ووفاة نبيهم وإظهارهم على الدين كله، كما تقدم به الوعد لهم فقهروا العباد وفتحوا البلاد وانتثلوا كنوزها وتحكموا في أموالها، فنسوا ما كانوا فيه من القلة والحاجة والذلة فأبطرتهم النعم، وارتكبوا أفعال الأمم، وأعرضوا عن غوائل النقم - كما قال النبي ﷺ :" دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء، الا والبغضاء هي الحالقة، لا أقول : تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين " أخرجه الترمذي والإمام أحمد وأبو داود الطيالسي في مسنديهما والبزار - قال المندري : بإسناد جيد - والبيهقي وقال :" لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا " رواه الطبراني ورواته ثقات، وذكر الحافظ أبو الربيع بن سالم الكلاعي في القسم الثاني من سيرته في فتح جلولاء من بلاد فارس أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أرسل الغنيمة إلى عمر رضي الله عنه