" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله تعالى :﴿ إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي ﴾، فيه ثلاثة تأوِيلات :
أحدها : على حَذْفِ همزة الاستفهام تقديره : أإنِّي أريد ؛ وهو استفهام إنكَار ؛ لأن إرادة المَعْصِيَة قبيحَةٌ، ومن الأنْبِيَاء أقبح ؛ فهم معْصُومُون عن ذلك، ويؤيِّد هذا التَّأويل قراءة من قرأ " أنَّى أريد " بفتح النون، وهي " أنَّى " التي بمعنى " كَيْفَ "، أي : كيف أريد ذلك.
والثاني : أنَّ " لا " محذوفةٌ تقديره : إني أريدُ أن لا تَبُوء، كقوله تعالى :﴿ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ﴾ [ النساء : ١٧٦ ]، وقوله تعالى :﴿ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [ النحل : ١٥ ]، أي ألاّ تضلّوا وألا تميد وهو مستَفِيضٌ وهذا أيضاً فرار من إثْبَات الإرَادَة له، وضعَّفَ بعضهم هذا التَّأويل بقوله - عليه الصلاة والسلام - :" لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْماً إلاَّ كانَ على ابْنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِها ؛ لأنَّهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ ".
فثبت بهذا أن الإثْمَ حاصلٌ، وهذا الَّذي ضعَّفه به غير لاَزِم ؛ لأن قائِل هذه المقالة يقول : لا يلزم من عَدَمِ إرادَته الإثْم لأخيه عَدَم الإثم، بل قد يريد عدمه ويَقَع.
الثالث : أن الإرادة على حَالها، وهي : إمَّا إرادة مَجَازية، أو حقيقيَّة على حَسَبِ اختلاف المُفسِّرين في ذلك، وجَاءَت إرادة ذلك به لمعانٍ ذكرُها، من جملتها :
أنَّه ظهرت له قَرائِن تدلُّ على قرب أجلهِ، وأنَّ أخاه كافر، وإرادة العُقُوبَة بالكافر حَسَنة.
وقوله :" بِإثْمِي " في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " تبُوء " أي : ترجعُ حاملاً له ومُلْتبساً به، وقد تقدم نَظِيرُه في قوله ﴿ فَبَآءُو بِغَضَبٍ ﴾ [ البقرة : ٩٠ ] وقالوا : لا بُدَّ من مُضافٍ، فقدَّره الزَّمَخْشَرِيُّ " بمثلَ إثمي " قال :" على الاتِّسَاع في الكلام، كما تقول : قرأت قراءة فلان، وكتبت كِتَابَته ".
وقدَّره بعضهم " بإثْمِ قَتْلِي، وإثم معصِيَتك التي لم يُقبل لأجلها قُرْبَانك، وإثْم حسدك ".


الصفحة التالية
Icon