أو لا تأويل قصداً للمبالغة كما قيل، وإما مفعول له أي لأجل الفساد، وإما مصدر مؤكد ليسعون لأنه في معنى يفسدون، و﴿ فَسَاداً ﴾ إما مصدر حذف منه الزوائد أو اسم مصدر، وقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا جَزَاء ﴾ مبتدأ خبره المنسبك من قوله تعالى :﴿ أَن يُقَتَّلُواْ ﴾ أي حداً من غير صلب إن أفردوا القتل، ولا فرق بين أن يكون بآلة جارحة أولاً، والإتيان بصيغة التفعيل لما فيه من الزيادة على القصاص من أنه لكونه حق الشرع لا يسقط بعفو الولي، وكذا التصليب في قوله سبحانه :﴿ أَوْ يُصَلَّبُواْ ﴾ لما فيه من القتل أي يصلبوا مع القتل إن جمعوا بين القتل والأخذ وقيل : صيغة التفعيل في الفعلين للتكثير، والصلب قبل القتل بأن يصلبوا أحياءاً وتبعج بطونهم برمح حتى يموتوا، وأصح قولي الشافعي عليه الرحمة أن الصلب ثلاثاً بعد القتل، قيل : إنه يوم واحد.
وقيل : حتى يسيل صديده، والأولى أن يكون على الطريق في ممر الناس ليكون ذلك زجراً للغير عن الاقدام على مثل هذه المعصية.
وفي ظاهر الرواية أن الإمام مخير إن شاء اكتفى بذلك وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خلاف ﴾ أي تقطع مختلفة بأن تقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى إن اقتصروا على أخذ المال من مسلم أو ذمي إذ له ما لنا وعليه ما علينا وكان في المقدار بحيث لو قسم عليهم أصاب كلا منهم عشرة دراهم أو ما يساويها قيمة، وهذا في أول مرة فإن عادوا قطع منهم الباقي، وقطع الأيدي لأخذ المال، وقطع الأرجل لإخافة الطريق وتفويت أمنه ﴿ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ﴾ إن لم يفعلوا غير الاخافة والسعي للفساد، والمراد بالنفي عندنا هو الحبس والجسن ؛ والعرب تستعمل النفي بذلك المعنى لأن الشخص به يفارق بيته وأهله، وقد قال بعض المسجونين :
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها...
فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا


الصفحة التالية
Icon