وأيضاً ليست عقوبة المرتدين كذلك، ودعوى أن المحاربة إنما تستعمل في الكفار يردها أنه ورد في الأحاديث إطلاقها على أهل المعاصي أيضاً، وسبب النزول لا يصلح مخصصاً فإن العبرة كما تقرر بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وغيرهما عن الشعبي قال : كان حارثة بن بدر التيمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب، فكلم رجالاً من قريش أن يستأمنوا له علياً فأبوا فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأتى علياً فقال : يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله تعالى ورسوله ﷺ ويسعون في الأرض الفساد؟ قال : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ثم قال :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ﴾ فقال سعيد : وإن كان حارثة بن بدر؟ قال : وإن كان حارثة بن بدر، فقال : هذا حارثة بن بدر قد جاء تائباً فهو آمن؟ قال : نعم، فجاء به إليه فبايعه، وقبل ذلك منه وكتب له أماناً، وروي عن أبي موسى الأشعري ما هو بمعناه، ثم إن السمل الذي فعله رسول الله ﷺ لم يفعله في غير أولئك، وأخرج مسلم والبيهقي عن أنس أنه قال : إنما سمل رسول الله ﷺ أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء، وأخرج ابن جرير عن الوليد بن مسلم قال : ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله ﷺ أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا، فقال : سمعت محمد بن عجلان يقول : أنزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ معاتبة في ذلك وعلمه ﷺ عقوبة مثلهم من القتل والصلب والقطع والنفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم، قال : وكان هذا القول ذكره لأبي عمر فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال : بل كانت تلك عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم فرفع عنهم السمل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon