كذلك يختلفون في معنى النفي من الأرض.. هل هو النفي من الأرض التي ارتكب فيها جريمته؟ أم هو النفي من الأرض التي يملك فيها حريته وذلك بحبسه. أم هو النفي من الأرض كلها ولا يكون ذلك إلا بالموت؟ ونحن نختار النفي من أرض الجريمة، إلى مكان ناء يحس فيه بالغربة والتشريد والضعف ؛ جزاء ما شرد الناس وخوّفهم وطغى بقوته فيهم. حيث يصبح في منفاه عاجزاً عن مزاولة جريمته بضعف عصبيته، أو بعزله عن عصابته!
﴿ ذلك لهم خزي في الدنيا.. ولهم في الآخرة عذاب عظيم ﴾..
فالجزاء الذي يلقونه إذن في الدنيا لا يسقط عنهم العذاب في الآخرة، ولا يطهرهم من دنس الجريمة كبعض الحدود الأخرى. وهذا كذلك تغليظ للعقوبة، وتبشيع للجريمة.. ذلك أن الجماعة المسلمة في دار الإسلام يجب أن تعيش آمنة. وذلك أن السلطة المسلمة القائمة على شريعة الله يجب أن تكون مطاعة. فهذا هو الوسط الخير الرفيع الذي يجب توفير الضمانات كلها لازدهاره.. وهذا هو النظام العادل الكامل الذي يجب أن يصان من المساس به..
فإذا ارتدع هؤلاء الخارجون المفسدون عن غيهم وفسادهم، نتيجة استشعارهم نكارة الجريمة، وتوبة منهم إلى الله ورجوعاً إلى طريقه المستقيم - وهم ما يزالون في قوتهم، لم تنلهم يد السلطان - سقطت جريمتهم وعقوبتها معاً، ولم يعد للسلطان عليهم من سبيل، وكان الله غفوراً لهم رحيماً بهم في الحساب الأخير :
﴿ إلا الذين تابوا - من قبل أن تقدروا عليهم - فاعلموا أن الله غفور رحيم ﴾..
والحكمة واضحة في إسقاط الجريمة والعقوبة في هذه الحالة عنهم من ناحيتين :
الأولى : تقدير توبتهم - وهم يملكون العدوان - واعتبارها دليل صلاح واهتداء..
والثانية : تشجيعهم على التوبة، وتوفير مؤنة الجهد في قتالهم من أيسر سبيل.


الصفحة التالية
Icon