وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ ﴾ شرط ؛ وجوابه ﴿ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾.
ومعنى ﴿ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ ﴾ من بعد السرقة ؛ فإن الله يتجاوز عنه.
والقطع لا يسقط بالتوبة.
وقال عطاء وجماعة : يسقط بالتوبة قبل القدرة على السارق.
وقاله بعض الشافعية وعزاه إلى الشافعي قولاً.
وتعلقوا بقول الله تعالى :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ﴾ وذلك استثناء من الوجوب، فوجب حمل جميع الحدود عليه.
وقال علماؤنا : هذا بعينه دليلنا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حدّ المحارب قال :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ﴾ وعطف عليه حدّ السارق وقال فيه :﴿ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾ فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما.
قال ابن العربي : ويا معشر الشافعية سبحان الله! أين الدقائق الفقهية، والحكم الشرعية، التي تستنبطونها من غوامض المسائل؟ا ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه، المعتدي بسلاحه، الذي يفتقر الإمام معه إلى الإيجاف بالخيل والرّكاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزالا عن تلك الحالة، كما فعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافا على الإسلام ؛ فأما السارق والزاني وهما في قبضة المسلمين وتحت حكم الإمام، فما الذي يسقط عنهم حكم ما وجب عليهم؟ا أو كيف يجوز أن يقال : يقاس على المحارب وقد فرّقت بينهما الحكمة والحالة! هذا ما لا يليق بمثلكم يا معشر المحققين.
وإذا ثبت أن الحدّ لا يسقط بالتوبة فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له.
"وَأَصْلَحَ" أي كما تاب عن السرقة تاب عن كل ذنب.
وقيل :"وَأَصْلَحَ" أي ترك المعصية بالكلية، فأما من ترك السرقة بالزنى أو التهوّد بالتنصُّر فهذا ليس بتوبة، وتوبة الله على العبد أن يوفقه للتوبة.
وقيل : أن تقبل منه التوبة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon