اتقوا الله ؛ واطلبوا إليه الوسيلة ؛ وتلمسوا ما يصلكم به من الأسباب.. وفي رواية عن ابن عباس : ابتغوا إليه الوسيلة ؛ أى ابتغوا إليه الحاجة. والبشر حين يشعرون بحاجتهم إلى الله وحين يطلبون عنده حاجتهم يكونون في الوضع الصحيح للعبودية أمام الربوبية ؛ ويكونون - بهذا - في أصلح أوضاعهم وأقربها إلى الفلاح. وكلا التفسيرين يصلح للعبارة ؛ ويؤدي إلى صلاح القلب، وحياة الضمير، وينتهي إلى الفلاح المرجو.
﴿ لعلكم تفلحون ﴾..
وعلى الجانب الآخر مشهد الكفار، الذين لا يتقون الله ولا يبتغون إليه الوسيلة ولا يفلحون.. وهو مشهد شاخص متحرك ؛ لا يعبر عنه السياق القرآني في أوصاف وتقريرات، ولكن في حركات وانفعالات.. على طريقة القرآن في رسم مشاهد القيامة ؛ وفي أداء معظم الأغراض :
﴿ إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً، ومثله معه، ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم، ولهم عذاب أليم. يريدون أن يخرجوا من النار، وما هم بخارجين منها، ولهم عذاب مقيم ﴾..
إن أقصى ما يتصوره الخيال على أساس الافتراض : هو أن يكون للذين كفروا كل ما في الأرض جميعاً. ولكن السياق يفترض لهم ما هو فوق الخيال في عالم الافتراض.
فيفرض أن لهم ما في الأرض جميعاً، ومثله معه ؛ ويصورهم يحاولون الافتداء بهذا وذلك، لينجوا به من عذاب يوم القيامة. ويرسم مشهدهم وهم يحاولون الخروج من النار. ثم عجزهم عن بلوغ الهدف، وبقاءهم في العذاب الأليم المقيم..
إنه مشهد مجسم ذو مناظر وحركات متواليات.. منظرهم ومعهم ما في الأرض ومثله معه.. ومنظرهم وهم يعرضونه ليفتدوا به. ومنظرهم وهم مخيبو الطلب غير مقبولي الرجاء.. ومنظرهم وهم يدخلون النار.. ومنظرهم وهم يحاولون الخروج منها.. ومنظرهم وهم يرغمون على البقاء. ويسدل الستار، ويتركهم مقيمين هناك!. أ هـ ﴿الظلال حـ ٢ صـ ٨٨١ ـ ٨٨٢﴾