ومما يدل على أن المراد من الآية الشرط والجزاء وجوه : الأول : أن الله تعالى صرّح بذلك وهو قوله ﴿جَزَاء بِمَا كَسَبَا﴾ وهذا دليل على أن القطع شرع جزاء على فعل السرقة، فوجب أن يعم الجزاء لعموم الشرط، والثاني : أن السرقة جناية، والقطع عقوبة، وربط العقوبة بالجناية مناسب، وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على أن الوصف علة لذلك الحكم، والثالث : أنا لو حملنا الآية على هذا الوجه كانت الآية مفيدة، ولو حملناها على سارق معين صارت مجملة غير مفيدة، فكان الأول أولى.
وأما القول الذي ذهب إليه سيبويه فليس بشيء، ويدل عليه وجوه : الأول : أنه طعن في القرآن المنقول بالتواتر عن الرسول عليه الصلاة والسلام وعن جميع الأمة، وذلك باطل قطعاً، فإن قال لا أقول : إن القراءة بالرفع غير جائزة ولكني أقول : القراءة بالنصب أولى، فنقول : وهذا أيضاً رديء لأن ترجيح القراءة التي لم يقرأ بها عيسى بن عمر على قراءة الرسول وجميع الأمة في عهد الصحابة والتابعين أمر منكر وكلام مردود.
والثاني : أن القراءة بالنصب لو كانت أولى لوجب أن يكون في القراء من قرأ ( واللذين يأتيانها منكم ) بالنصب، ولما لم يوجد في القراء أحد قرأ كذلك علمنا سقوط هذا القول.
الوجه الثالث : أنا إذا قلنا :﴿والسارق والسارقة﴾ مبتدأ، وخبره هو الذي نضمره، وهو قولنا فيما يتلى عليكم، فحينئذٍ قد تمت هذه الجملة بمتداها وخبرها، فبأي شيء تتعلق الفاء في قوله ﴿فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا﴾ فإن قال : الفاء تتعلق بالفعل الذي دلّ عليه قوله ﴿والسارق والسارقة﴾ يعني أنه إذا أتى بالسرقة فاقطعوا يديه فنقول : إذا احتجت في آخر الأمر إلى أن تقول : السارق والسارقة تقديره : من سرق، فاذكر هذا أولاً حتى لا تحتاج إلى الإضمار الذي ذكرته.


الصفحة التالية
Icon