وقال قوم من المحققين : الآية ليست مجملة ألبتة، وذلك لأنا بينا أن الألف واللام في قوله ﴿والسارق والسارقة﴾ قائم مقام "الذي" والفاء في قوله ﴿فاقطعوا﴾ للجزاء، فكان التقدير : الذي سرق فاقطعوا يده، ثم تأكد هذا بقوله تعالى :﴿جَزَاء بِمَا كَسَبَا﴾ وذلك الكسب لا بدّ وأن يكون المراد به ما تقدم ذكره وهو السرقة، فصار هذا دليلاً على أن مناط الحكم ومتعلقه هو ماهية السرقة ومقتضاه أن يعم الجزاء فيما حصل هذا الشرط، اللهم إلا إذا قام دليل منفصل يقتضي تخصيص هذا العام، وأما قوله "الأيدي" عامة فنقول : مقتضاه قطع الأيدي لكنه لما انعقد الإجماع على أنه لا يجب قطعهما معاً، ولا الاتبداء باليد اليسرى أخرجناه عن العموم.
وأما قوله : لفظ اليد دائر بين أشياء فنقول : لا نسلم، بل اليد اسم لهذا العضو إلى المنكب، ولهذا السبب قال تعالى :﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق﴾ [ المائدة : ٦ ] فلولا دخول العضدين في هذا الاسم وإلا لما احتيج إلى التقيد بقوله ﴿إِلَى المرافق﴾ فظاهر الآية يوجب قطع اليدين من المنكبين كما هو قول الخوارج، إلا أنا تركنا ذلك لدليل منفصل.
وأما قوله : رابعا : يحتمل أن يكون الخطاب مع كل واحد، وأن يكون مع واحد معين.
قلنا : ظاهره أنه خطاب مع كل أحد، ترك العمل به فيما صار مخصوصاً بدليل منفصل فيبقى معمولاً به في الباقي.
والحاصل أنا نقول : الآية عامة، فصارت مخصوصة بدلائل منفصلة في بعض الصور فتبقى حجة فيما عداها، ومعلوم أن هذا القول أولى من قول من قال : إنها مجملة فلا تفيد فائدة أصلاً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٧٧ ـ ١٧٨﴾
فصل
قال الفخر :