قوله تعالى ﴿وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً﴾
قال الفخر :
المعنى : أنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأسهل والأخف، كالجلد مكان الرجم، فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة لهم شق عليهم إعراضه عنهم وصاروا أعداء له، فبيّن الله تعالى أنه لا تضره عداوتهم له. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨٧﴾
وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ وإن تُعرض عنهم فلن يضرّوك شيئاً ﴾ فذلك تطمين للنّبيء ﷺ لئلاّ يقول في نفسه : كيف أعرض عنهم، فيتّخذوا ذلك حجّة علينا.
يقولون : ركنّا إليكم ورضينا بحكمكم فأعرضتم عنّا فلا نسمع دعوتكم من بعد.
وهذا ممّا يهتمّ به النّبيء ﷺ لأنّه يؤول إلى تنفير رؤسائِهم دهماءَهم من دعوة الإسلام فطمّنه الله تعالى بأنّه إنْ فعل ذلك لا تنشأ عنه مضرّة.
ولعلّ في هذا التطمين إشعاراً بأنّهم لا طمع في إيمانهم في كلّ حال.
وليس المراد بالضرّ ضرّ العداوة أو الأذى لأنّ ذلك لا يهتمّ به النّبيء ﷺ ولا يخشاه منهم، خلافاً لما فسّر به المفسّرون هنا.
وتنكير ﴿ شيئاً ﴾ للتحقير كما هو في أمثاله، مثل ﴿ فلَن تملك له من الله شيئاً ﴾ وهو منصوب على المفعوليّة المطلقة لأنّه في نية الإضافة إلى مصدر، أي شيئاً من الضرّ، فهو نائب عن المصدر.
وقد تقدّم القول في موقع كلمة شيء عند قوله تعالى :﴿ ولنبلونَّكم بشيء من الخوف والجوع ﴾ في سورة البقرة ( ١٥٥ ).
والآية تقتضي تخيير حكّام المسلمين في الحكم بين أهل الكتاب إذا حكّموهم ؛ لأنّ إباحة ذلك التخيير لغير الرسول من الحكّام مساو إباحته للرسول.
واختلف العلماء في هذه المسألة وفي مسألة حكم حكّام المسلمين في خصومات غير المسلمين.