ولهذا نرى الباطل وقد أتى عليه زمن ليطفو فوق السطح، ويخرج الخَبَث طافيا على أصيل الحديد. لكن أيظل الباطل كذلك؟ يُطمئِنُنا الحق أنه يحمي الحق فيقول :﴿ فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض ﴾ [ الرعد : ١٧ ]
وحين نرى الباطل وقد طفا على السطح نفاجأ بعد وقت من الزمن أن الزبد ينتهي صافياً. فإذا رأينا الباطل مرة يعلو، فلنعلم أنه لا بقاء لهذا العُلو ؛ لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
ولماذا لا يُعلن الحق عن نفسه من البداية؟ أراد الله ذلك ليجعل الباطل من جنود الحق، ولو لم يَعَض الباطل الناس ويُتعبهم أيتجهون إلى الحق؟ لا ؛ لذلك كان لا بد أن يأتي إليهم الباطل الناس ويُتعبهم ليبحثوا عن الحق.
وهكذا نرى الباطل كجندي من جنود الحق. وضربنا المثل من قبل وعرفنا أن الألم عند المريض من جنود العافية، فلولا ذلك الألم لاستشرى الداء دون أن يشعر المريض، فكأن الألم يلفته إلى موضع الداء ويدفعه للبحث عن وسائل الشفاء. وبذلك يتعرف على حلاوة العافية.
إذن فالباطل من جنود الحق والألم من جنود الشفاء ؛ لأن أمور الحياة لو سارت على وتيرة واحدة لما عرف الإنسان أوجه الحياة، فلو لم يأتِ الألم إلى المريض لأكله المرض. فإذا كان الألم من جنود الشفاء، فالكفر أيضاً من جنود الإيمان ؛ لأننا عندما نرى الكُفر ونشهد آثار الكُفر فساداً في المجتمع، نتساءل : ما الذي يخلِّصنا من ذلك؟ ونعرف أن الذي يخلصنا من الفساد هو الإيمان.
وأُكرِّر دائماً : كلمة الكُفر بذاتها هي الدليل الأول على الإيمان ؛ لأن الكُفر هو السَّتْر، ومادام الكفر هو السَّتر، والكافر يستر الإيمان، وظهور الكفر على السطح دليل وجود الإيمان في الأصل.