" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله :﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾ : يجُوزُ أن يكُونَ مُكَرَّراً للتَّوْكيدِ إنْ كان مِنْ وصف المنافقينَ، وغَيْرَ مُكرَّرٍ إنْ كانَ مِنْ وصف بَنِي إسْرائيلِ.
وإعْرَابُ مفرداتِهِ تقدَّم، ورفْعُه على خبرِ ابْتَداءٍ مُضْمَرٍ، أيْ : هُمْ سمَّاعون.
وكذلك " أكَّالُونَ لِلسُّحْتِ " في " اللاَّمِ " الوجهانِ المذكورانِ في قوله :" لِلْكَذِبِ ".
و" السُّحْتُ " الحَرَامُ، سُمِّي بذلك ؛ لأنَّه يُذْهِبُ البَرَكَةَ ويَمْحَقُها، يُقالُ : سَحَتَهُ اللَّهُ، وأسْحَتَهُ : أيْ : أهْلكهُ وأذهَبَهُ.
قال الزَّجَّاجُ : أصلُهُ مِنْ : سَحَتُّهُ إذ اسْتَأصَلته، قال تعالى :﴿ فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ﴾ [ طه : ٦٢ ] أيْ : يَسْتأصلهمْ، أوْ لأنَّه مَسْحوتُ البَرَكَةِ.
قال الله تعالى :﴿ يَمْحَقُ الله الربا ﴾ [ البقرة : ٢٧٦ ].
وقال اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ : إنَّهُ حرامٌ يحصلُ مِنْه العار.
وعن الفرَّاءِ :" السُّحْتُ " : شدَّةُ الجُوعِ، يُقال : رجلٌ مَسْحُوتُ المعدة إذا كان أكُولاً، لا يُلْفَى إلاَّ جائعاً أبداً وهو راجعٌ إلى الهلكة.
وقد قُرِئ قوله تعالى :" فَيُسْحِتَكُمْ " بالوجهين : مهن سَحَتُّهُ، وأسْحَتُّهُ.
وقال الفرزدقُ :[ الطويل ]
١٩٦٨ - وعَضُّ زَمَانٍ يَا بْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ...
مِنَ المَالِ إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ
وقرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ، وعاصمٌ، وحمزةُ :" السُّحْت " بضَمِّ السِّينِ وسكون الحاء، والباقون بضمهما، وزيد بن علي، وخارجة بن مصعب عن نافع بالفتح وسكون الحاء، وعبيد بن عمير بالكسر والسكون وقُرئ بفَتْحتيْنِ، فالضمتانِ : اسمٌ للشيء المسحُوتِ، والضمةُ والسكونُ تخفيفُ هذا الأصْلِ، والفتحتانِ والكَسْرِ والسُّكُونِ اسمٌ له أيضاً.
وأمَّا المفتوحُ السينِ السَّاكن الحاءِ، فمصدرٌ أُريدَ بِهِ اسمُ المفعولِ، كالصَّيْد بمعنى المصيدِ، ويجوزُ أنْ يكُونَ تَخْفِيفاً مِنَ المَفتُوحِ، وهُوَ ضعيفٌ.
والمرادُ بالسُّحْتِ : الرَّشْوَةُ في الحُكْمِ، ومَهْرُ البَغِيّ، وعَسِيبُ الفَحْلِ، وكَسْبُ الحجامِ، وثَمنُ الكَلْبِ، وثمنُ الخمرِ، وثمنُ المَيْتَةِ، وحُلوانُ الكَاهِنِ، والاستعجالُ في المعصية، رُوِيَ ذلك عَنْ عُمَرَ وعَليٍّ وابن عباسٍ وأبِي هُريرةَ ومجاهدٍ، وزاد بعضهُم، ونقص بعضهم.
وقال الأخْفَش : السُّحْتُ كُلُّ كَسْبٍ لا يَحقُّ. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٧ صـ ٣٣٩ ـ ٣٤٠﴾.
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) ﴾
يعني إنهم طرحوا حشمة الدِّين، وقنعوا بالحظوظ الخسيسة واكتفوا بالأعواض النذرة، فإذا تحاكموا إليك فأُحلِلْهم من حِلْمك على ما يستحق أمثالهم من الأزال، وأنت مُخيرٌ فيما تريد ؛ فسواء أقبلت عليهم فحكمت أو أعرضت فرددت فالاختيار لك.
قوله :﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ﴾ : الإقساط الوقوف على حدِّ الأمر من غير ( حَنَفٍ ) إلى الحظ. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٤٢٤ ـ ٤٢٥﴾


الصفحة التالية
Icon