و ﴿ يُحَرِّفُونَ ﴾ في موضع الصفة لقوله :﴿ سَمَّاعُونَ ﴾ وليس بحال من الضمير الذي في "يَأَتُوكَ" لأنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا، والتحريف إنما هو ممن يشهد ويسمع فيحرِّف.
والمحرّفون من اليهود بعضهم لا كلّهم، ولذلك كان حمل المعنى على ﴿ وَمِنَ الذين هَادُواْ ﴾ فريق ﴿ سَمَّاعُونَ ﴾ أشبه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فاحذروا﴾
قال الفخر :
أي إن أمركم محمد بالجلد فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا.
واعلم أن مذهب الشافعي رحمه الله أن الثيب الذمي يرجم.
قال : لأنه صح عن رسول الله ﷺ أنه أمر برجمه، فإن كان الأمر برجم الثيب الذمي من دين الرسول فقد ثبت المقصود، وإن كان إنما أمر بذلك بناء على ما ثبت في شريعة موسى عليه السلام وجب أن يكون ذلك مشروعاً في ديننا، ويدل عليه وجهان : الأول : أن رسول الله ﷺ لما أفتى على وفق شريعة التوراة في هذه المسألة كان الإقتداء به في ذلك واجباً، لقوله ﴿فاتبعوه﴾ [ الأعراف : ٥٨ ] والثاني : أن ما كان ثابتاً في شرع موسى عليه السلام فالأصل بقاؤه إلى طريان الناسخ، ولم يوجد في شرعنا ما يدل على نسخ هذا الحكم، فوجب أن يكون باقياً، وبهذا الطريق أجمع العلماء على أن قوله تعالى :﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس﴾ [ المائدة : ٤٥ ] حكمه باق في شرعنا.
ولما شرح الله تعالى فضائح هؤلاء اليهود قال :﴿وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً ﴾.
واعلم أن لفظ الفتنة محتمل لجميع أنواع المفاسد، إلا أنه لما كان هذا اللفظ مذكوراً عقيب أنواع كفرهم التي شرحها الله تعالى وجب أن يكون المراد من هذه الفتنة تلك الكفريات التي تقدم ذكرها، وعلى هذا التقدير فالمراد : ومن يرد الله كفره وضلالته فلن يقدر أحد على دفع ذلك عنه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨٥﴾