وقال الثعلبى :
فإن قيل : وهل فينا غير مسلم ؟
فالجواب أن هؤلاء نبيوا الإسلام لا على أن غيرهم من النبيين لم يتولوا المسلمين وهذا كقوله ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله ﴾ [ الفتح : ٢٩ ] ﴿ فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ النبي الأمي الذي يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] لا يريد أن غيره من الأنبياء لم يؤمنوا باللّه وكلماته. وقيل : لم يرد به الإسلام الذي هو ضد الكفر. إنما المراد به الذين انقادوا لحكم اللّه فلم يكتموه كما كتم هؤلاء، يعرّض بأهل الكتاب.
وهذا كقوله ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض ﴾ [ آل عمران : ٨٣ ].
وقال يزيد بن عمرو بن نفيل : أسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالاً، وأسلمت وجهي لمن أسلمت له العيون تحمل عذباً زلالاً. وقيل : معناه الذين أسلموا أنفسهم إلى اللّه. كما روي " إن النبي ﷺ كان يقول إذا أوى إلى فراشه :" أسلمت نفسي إليك ".
وقيل : معناه : يحكم بها النبيون الذين أسلموا بما في التوراة من الشرائع ولم يعمل به كمثل عيسى ( عليه السلام ) وهو قوله تعالى ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾ [ المائدة : ٤٨ ] وهو معنى قول ابن حيّان يحكم بما في التوراة من لدن موسى إلى عيسى عليهما السلام.
وقال الحسن والسدّي أراد محمداً ﷺ حكم على اليهود بالرجم وذكره بلفظ الجمع كما قال تعالى ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ [ النحل : ١٢٠ ] وقال : أم تحسدون الناس في الحياة. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
المراد بالّذين أسلموا الّذين كان شرعهم الخاصّ بهم كشرع الإسلام سواء، لأنّهم كانوا مخصوصين بأحكام غير أحكام عموم أمّتهم بل هي مماثلة للإسلام، وهي الحنيفية الحقّ، إذ لا شكّ أنّ الأنبياء كانوا على أكمل حال من العبادة والمعاملة، ألا ترى أنّ الخمر ما كانت محرّمة في شريعة قبل الإسلام ومع ذلك ما شربها الأنبياء قط، بل حرّمتها التّوراة على كاهن بني إسرائيل فما ظنّك بالنّبيء.
ولعلّ هذا هو المراد من وصيّة إبراهيم لبنيه بقوله :﴿ فلا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون ﴾ [ البقرة : ١٣٢ ] كما تقدّم هنالك.
وقد قال يوسف عليه السّلام في دعائه :﴿ توفَّنِي مُسلماً وألْحقني بالصّالحين ﴾ [ يوسف : ١٠١ ].
والمقصود من الوصف بقوله :﴿ الّذين أسلموا ﴾ على هذا الوجه الإشارة إلى شرف الإسلام وفضله إذ كان دين الأنبياء. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon