ولما كان كأنه قيل : ما غرضهم بإثبات الكذب وتحريف الصدق؟ قال :﴿يقولون﴾ أي لمن يوافقهم ﴿إن أوتيتم﴾ أي من أيّ مؤت كان ﴿هذا﴾ أي المكذوب والمحرف ﴿فخذوه﴾ أي اعملوا به ﴿وإن لم تؤتوه﴾ أي بأن أوتيتم غيره أو سكت عنكم ﴿فاحذروا﴾ أي بأن تؤتوا غيره فتقبلوه.
ولما كان التقدير : فأولئك الذين أراد الله فتنتهم، عطف عليه قوله :﴿ومن يرد الله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿فتنته﴾ أي أن يحل به ما يميله عن وجه سعادته بالكفر حقيقة أو مجازاً ﴿فلن تملك له من الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا كفوء له ﴿شيئاً﴾ أي من الإسعاد، وإذا لم تملك ذلك أنت وأنت أقرب الخلق إلى الله فمن يمكله.
ولما كان هذا، أنتج لا محالة قوله :﴿أولئك﴾ أي البعداء من الهدى ﴿الذين لم يرد الله﴾ أي وهو الذي لا راد لما يريده، ولا فاعل لما يرده، فهذه أشد الآيات على المعتزلة ﴿أن يطهر قلوبهم﴾ أي بالإيمان، والجملة كالعلة لقوله ﴿فلن تملك له من الله شيئاً﴾، ولما ثبت أن قلوبهم نجسة، أنتج ذلك قوله :﴿لهم في الدنيا خزي﴾ أي بالذل والهوان، أما المنافقون فبإظهار الأسرار والفضائح الكبار وخوفهم من الدمار، وأما اليهود فببيان أنهم حرفوا وبدلوا وضرب الجزية عليهم وغير ذلك من الصغار ﴿ولهم في الآخرة﴾ التي من خسرها فلا ربح له بوجه ما ﴿عذاب عظيم﴾ أي لعظيم ما ارتكبوه من هذه المعاصي المتضاعفة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٥٥ ـ ٤٥٧﴾
وقال الفخر :
إنه تعالى لما بيّن بعض التكاليف والشرائع، وكان قد علم من بعض الناس كونهم متسارعين إلى الكفر لا جرم صبر رسوله على تحمل ذلك، وأمره بأن لا يحزن لأجل ذلك، فقال :﴿يا أَيُّهَا الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِى الكفر﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨٢﴾