من التوحيد الذي هو عماد الدين وأعظم آياتها التي أخذت عليهم بها العهود ووضعت في تابوت الشهادة الذي كانوا يقدمونه أمامهم في الحروب، فإن كانوا باقين على ما فيه من الميثاق نصروا وإلا خذلوا، وناسخاً لشريعتهم مجازاة لهم من جنس ما كانوا يعملون من التحريف، وشاهداً على من أطراه بالضلال فقال :﴿وقفينا﴾ إلى آخرها، وكذا كل ما بعدها من آياتهم إلى آخر السورة، لا تخلوا آية منها من التعرض إلى نقض دعواهم لها بذكر ذنب، أو ذكر عقوبة عليه، أو ذكر تكذيب لهم من كتابهم أو نبيهم، والمعنى : أوجدنا التقفية، وهي اتباع شيء بشيء تقدِّمه، فيكون أتيا في قفاه لكونه وراءه، وإلقاؤه في مظهر العظمة لتعظيم شأن عيسى عليه السلام ﴿على آثارهم﴾ أي النبيين الذين يحكمون بالتوراة، وذكر الأثر يدل على أنهم كانوا قد تركوا دينهم، لم يبق منه إلا رسم خفي ﴿بعيسى﴾ ونسبه إلى أمه إشارة إلى أنه لا والد له تكذيباً لليهود، وإلى أنه عبد مربوب تكذيباً للنصارى، فقال :﴿ابن مريم مصدقاً﴾ أي عيسى عليه السلام في الأصول وكثير من الفروع و﴿لما بين يديه﴾ أي مما أتى به موسى عليه السلام قبله ﴿من التوراة﴾ وأشار إلى أنه ناسخ لكثير من أحكامها بقوله :﴿وآتيناه الإنجيل﴾ أي أنزلناه بعظمتنا عليه كما أنزلنا التوراة على موسى عليه السلام.