أسئلة وأجوبة :
السؤال الأول : إنه تعالى وصف عيسى ابن مريم بكونه مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وإنما يكون كذلك إذا كان عمله على شريعة التوراة، ومعلوم أنه لم يكن كذلك، فإن شريعة عيسى عليه السلام كانت مغايرة لشريعة موسى عليه السلام، فلذلك قال في آخر هذه الآية ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ﴾ [ المائدة : ٤٧ ] فكيف طريق الجمع بين هذين الأمرين ؟
والجواب : معنى كون عيسى مصدقاً للتوراة أنه أقر بأنه كتاب منزّل من عند الله، وأنه كان حقاً واجب العمل به قبل ورود النسخ.
السؤال الثاني : لم كرر قوله ﴿مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ والجواب : ليس فيه تكرار لأن في الأول : أن المسيح يصدق التوراة، وفي الثاني : الإنجيل يصدق التوراة.
السؤال الثالث : أنه تعالى وصف الإنجيل بصفات خمسة فقال :﴿فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ﴾ وفيه مباحثات ثلاثة : أحدها : ما الفرق بين هذه الصفات الخمسة : وثانيها : لم ذكر الهدى مرتين ؟، وثالثها : لم خصصه بكونه موعظة للمتقين ؟
والجواب على الأول : أن الإنجيل هدى بمعنى أنه اشتمل على الدلائل الدالة على التوحيد والتنزيه، وبراءة الله تعالى عن الصاحبة والولد والمثل والضد، وعلى النبوّة وعلى المعاد، فهذا هو المراد بكونه هدىً، وأما كونه نوراً، فالمراد به كونه بياناً للأحكام الشرعية ولتفاصيل التكاليف، وأما كونه مصدقاً لما بين يديه، فيمكن حمله على كونه مبشراً بمبعث محمد ﷺ وبمقدمه وأما كونه هدىً مرة أخرى فلأن اشتماله على البشارة بمجيء محمد ﷺ سبب لاهتداء الناس إلى نبوّة محمد ﷺ، ولما كان أشد وجوه المنازعة بين المسلمين وبين اليهود والنصارى في ذلك لا جرم أعاده الله تعالى مرة أخرى تنبيهاً على أن الإنجيل يدل دلالة ظاهرة على نبوّة محمد ﷺ، فكان هدى في هذه المسألة التي هي أشد المسائل احتياجاً إلى البيان والتقرير، وأما كونه موعظة فلاشتمال الإنجيل على النصائح والمواعظ والزواجر البليغة المتأكدة وإنما خصها بالمتقين لأنهم هم الذين ينتفعون بها، كما في قوله ﴿هُدًى لّلْمُتَّقِينَ﴾ [ البقرة : ٢ ].
السؤال الرابع : قوله في صفة الإنجيل ﴿وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ عطف على ماذا ؟
الجواب : أنه عطف على محل ﴿فِيهِ هُدًى﴾ ومحله النصب على الحال، والتقدير : وآتيناه الإنجيل حال كونه هدىً ونوراً ومصدقاً لما بين يديه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٩﴾