وقوله :" وهدى " الجمهور على النَّصْبِ، وهو على الحال : إمَّا من " الإنجيل "، عطفت هذه الحال على ما قبلها، وإمَّا من " عيسى " أي : ذا هُدًى وموعظة، أو هادياً، أو جعل نفس الهدى مبالغة.
وأجاز الزمخشري أن ينتصبا على المفعُولِ من أجْلِهِ، وجعل العامل فيه قوله تعالى :" آتيناه "، قال : وأنْ ينتصبا مفعولاً لهما لقوله :" وليحكم " كأنه قيل وللهدى وللموعظة آتيناه الإنجيل وللحكم.
وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون العامل فيه " قَفَّيْنَا " أي : قفينا للهدى والموعظة، وينبغي إذا جعلا مفعولاً من أجله أن يُقدَّر إسنادهما إلى الله - تعالى - لا إلى الإنجيل ليصح النصب، فإن شرطه اتحاد المفعول له مع عامله فاعلاً وزماناً، ولذلك لما اختلف الفاعل في قوله :﴿ وليحكم أهل الإنجيل ﴾ عُدِّي إليه باللام، ولأنه خالفه أيضاً في الزمان، فإن زمن الحكم مستقبل وزمن الأنبياء ماضٍ، بخلاف الهداية والموعظة، فإنهما مقارنان في الزمان للإيتاء.
و" للمقيمين " يجوز أن يكون صفة لـ " موعظة "، ويجوز أن تكون " اللام " زائدة مقوية، و" المتقين " مفعول بـ " موعظة "، ولم تمنع تاءُ التأنيث من عمله ؛ لأنه مبنيٌّ عليها ؛ كقوله :[ الطويل ]
١٩٧٠ -......
وَرَهْبَةٌ...
عِقَابَكَ......
وقد تقدم الكلام على " الإنجيل " واشتقاقه وقراءةُ الحسن فيه بما أغنى عن إعادته.
وقرأ الضَّحَّاك بن مزاحم :" وهُدًى وموعِظَةٌ " بالرفع، ووَجْهُهَا أنها خبر ابتداء مضمر، أي : وهو هدى وموعظة. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٧ صـ ٣٥٨ ـ ٣٦١﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُور... ) ﴾
يعني أتبعناهم بعيسى ابن مريم، وخصصناه بالإنجيل، وفي الإنجيل تصديق لما تقدَّمه، وتحقيقِ لِمَا أوجب الله وألزمه، فلا الدِّينَ قضوا حقه، ولا الإنجيلَ عرفوا فرضه، ولا الرسولَ حفظوا أمره ؛ ففسقوا وضلوا، وظلموا وزلُّوا. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٤٢٧﴾


الصفحة التالية
Icon