ومن فوائد أبى حيان فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ﴾ أمر تعالى أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه من الأحكام ويكون هذا الأمر على سبيل الحكاية، وقلنا لهم : احكموا، أي حين إيتائه عيسى أمرناهم بالحكم بما فيه إذ لا يمكن ذلك أن يكون بعد بعثة محمد ﷺ، إذ شريعته ناسخة لجميع الشرائع، أو بما أنزل الله فيه مخصوصاً بالدلائل الدالة على نبوّة رسول الله ﷺ وهو قول الأصم، أو بخصوص الزمان إلى بعثة رسول الله ﷺ، أو عبر بالحكم بما أنزل الله فيه عن عدم تحريفه وتغييره.
فالمعنى : وليقرأه أهل الإنجيل على الوجه الذي أنزل لا يغيرونه ولا يبدلونه، وهذا بعيد.
وظاهر الأمر يرد قول من قال : إن عيسى كان متعبداً بأحكام التوراة.
وقال تعالى :﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ﴾ ولهذا القائل أن يقول : بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة.
والذي يظهر أن الأحكام في الإنجيل قليلة، وإنما أكثره زواجر.
وتلك الأحكام المخالفة لأحكام التوراة أمروا بالعمل بها، ولهذا جاء : ولأحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم }.
وقرأ الجمهور : وليحكم بلام الأمر ساكنة، وبعض القراء يكسرها.
وقرأ أبيّ : وأن ليحكم بزيادة أن قبل لام كي، وتقدّم كلام الزمخشري فيما يتعلق به.
وقال ابن عطية : والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه انتهى.
فعطف وليحكم على توهم علة ولذلك قال : ليتضمن الهدى.
والزمخشري جعله معطوفاً على هدى وموعظة، على توهم النطق باللام فيهما كأنه قال : وللهدى والموعظة وللحكم أي : جعله مقطوعاً مما قبله، وقدر العامل مؤخراً أي : وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه آتيناه إياه.