بعد جيل هم بتوفيق الله تعالى شاهدون مانعون لكل تغيير وتبديل ؟ لأنهم يحفظونه فى صدورهم، ولا يتركونه للقرطاس الذى قد يرد عليه المحو والإثبات والتغيير والتبديل، وبذلك اختص القرآن بالصيانة من بين الكتب السماوية، وهو
قد حفظه بنصه وقراءاته، وطريق تلاوته، فالله سبحانه وتعالى هو الذى رتله ترتيلا، بتعليم النبى ( ﷺ ) ذلك كما قال تعالى :(وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا - الفرقان.
(فاحكم بينهم بما أنزل الله، الفاء هنا للإفصاح ؟ لأنها تومى إلى شرط مقدر، والمعنى على هذا : إذا كان الكتاب قد أنزل إليك من لدن الله العلى القدير عالم غيب السموات والأرض، وأنه يهيمن على الكتب السابقة ومحفوظ بحفظ الله تعالى إلى يوم الدين ؟ فاحكم بين اليهود والنصارى ومن يعاصرونك من الناس بهذا الذى جاء به، لأنه نزل لتحكم به أنت ومن يتولى الحكم من بعدك، ولم يقل سبحانه وتعالى لتحكم به، بل ترك الضمير، وعبر بالموصول للإشارة إلى أن السبب الموجب للحكم أنه منزل من عند الله، إذ إن الموصول إذا كان فى ضمن حكم تكون الصلة هى علة الحكم، والسبب فيه، وعلى ذلك يكون حكم القرآن وهو حكم الله تعالى الذى لا يختلف باختلاف العصور، ولا يتغير بتغير الأوقات ؟ لأنه شريعة الله الذى هو بكل شىء عليم، يعلم الناس وما يصلح لهم فى ماضيهم وقابلهم، وهذا يفيد أن اليهود الذين عاصروا النبى ( ﷺ ) ومن جاءوا بعدهم مخاطبون بشريعة القرآن، وأنه نسخ ما قبله من الشرائع، إلا ما جاء النص بوجوب العمل به كالقصاص، أو ما لم يثبت أنه نسخ، والمعول فى الحالين هو القرآن وما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، ولقد روى أنه عليه السلام ذكر أن موسى لو كان حيا ما وسعه إلا الإيمان به عليه الصلاة والسلام.