هذا كله على أساس أن ضمير الخطاب قد وجه إلى اليهود والنصارى ممن كان لهم كتاب منزل، وقد يرد على هذا أن الرسالة الإلهية واحدة، فكيف يجىء فيها الاختلاف، وقد قال تعالى :(شرع لكم من الدين ما وعحى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه... - الشورى، .
ونقول فى الإجابة عن ذلك : إن الوحدة الجامعة بين الرسالات الإلهية هو ما يتعلق بالعقيدة من إيمان بالوحدانية ونفى للوثنية، وإيمان باليوم الآخر، وما يجرى فيه من حساب وعقاب، ونعيم وجنات تجرى من تحتها الأنهار، وجحيم وسعير إلى آخر ما ورد فى الغيبيات. أما الشرعة التى يجىء فيها الاختلاف فهو الأوامر والنواهى، وبعبارة عامة فهى التكليفات من حلال وحرام، فقد يشدد الله تعالى على بعض الأقوام لغلظ قلوبهم، ويخفف على آخرين، كما قال تعالى : وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (١٤٦) الأنعام.
والمنهاج يختلف، فمن الأنبياء من دعا دعوته، وكان فريسة لاعتداء أعدائه
من غير أن يقاوم بالسيف، ومنهم من شرع له أن يدفع الاعتداء بالسيف، وهكذا...