هذا الكلام كله على أساس أن الخطاب موجه إلى أهل الكتاب الذين سبقوا بكتاب أنزل عليهم، ونسخته شريعة القرآن، وقد جاء بعض المفسرين فقرر أن الخطاب لأمة محمد ( ﷺ )، أى للمسلمين فى حاضر أمرهم وقابله، وقد ذكر هذا الرأى ابن كثير فى تفسيره، فقد قال :" وقيل المخاطب بهذه الآية هذه الأمة، ومعناه لكل - جعلنا القرآن - منكم أيتها الأمة شرعة ومنهاجا، أى هو لكم كلكم تقتدون به " ومؤدى هذا الكلام جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا لكل منكم، أى واحد منكم، فليس المضاف إليه المحذوف من بعد كل الأمم بل الآحاد، أى أن كل واحد من أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - مخاطب بتكليفات الشريعة، وتنفيذ منهاجها المستقيم، الذى لا عوج فيه ولا أمت.
والعلماء على التخريج الأول وهو ظاهر اللفظ ولا يخرح المعنى عن ظاهر
اللفظ الذى يتبادر ويتجه إلى غيره إلا لعيب بيانى فى الظاهر، ومعاذ الله تعالى أن يكون ذلك فى كلام الله جل وعز.
(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم ) فعل المشيئة محذوف دل عليه ما بعده، وهو جواب لو، والمعنى لو شاء سبحانه أن يجعلكم أمة واحدة لجعلكم كذلك، والمعنى على هذا لو شاء تعالى أن يجعل الإنسانية كلها أمة واحدة، يصلحها شرع واحد، وتتفق بالتكليفات الموجهة، لاتفاق الإنسانية الموحدة، لفعل سبحانه وتعالى، ولكنه سبحانه وتعالى عاملكم معاملة المختبر لكم بما آتاكم من مواهب مختلفة، وفيما ينزل عليكم من خيرات السماء، وفيما تجود الأرض من زروع وثمرات، وفى اختلاف الأجواء، والإرادات الإنسانية ليتم التكليف، ويكون الاختبار.
وبيان ذلك أن الناس يختلفون أمما وعناصر، وقد توزعتهم أقاليم الأرض،