قد قدمنا أن هذه الآية في النصارى، والتي قبلها في اليهود، والتي قبل تلك في المسلمين، كما يقتضيه ظاهر القرآن.
وقد قدمنا أن الكفر، والظلم، والفسق كلها يطلق على المعصية بما دون الكفر، وعلى الكفر المخْرج من الملة نفسه. فمن الكفر بمعنى المعصية. قوله ﷺ لما سألته المرأة عن سبب كون النساء أكثر أهل النار، " إن ذلك واقع بسبب كفرهن " ثم فسره بأنهن يكفرن العشير، ومن الكفر بمعنى المخرج عن الملة، قوله تعالى :﴿ قُلْ ياأيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [ الكافرون : ١-٢ ] الآية. ومن الظلم بمعنى الكفر قوله تعالى :﴿ والكافرون هُمُ الظالمون ﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ]، وقوله :﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظالمين ﴾ [ يونس : ١٠٦ ]، وقوله :﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ]، ومنه بمعنى المعصية قوله تعالى :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ [ فاطر : ٣٢ ] الآية، ومن الفسق بمعنى الكفر قوله :﴿ وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾ [ السجدة : ٢٠ ] الآية، ومنه بمعنى المعصية قوله في الذين قذفوا عائشة، رضي الله عنها :
﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ [ النور : ٤ ].
ومعلوم أن القذف ليس بمخرج عن الملة، ويدل له قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ [ النور : ١١ ]، ومن الفِسق بمعنى المعصية أيضاً، قوله في الوليد بن عقبة :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾ [ الحجرات : ٦ ] الآية.