ولما أوجب سبحانه هذا، رخص لهم في النزول عنه، فسبب عن ذلك قوله :﴿فمن تصدق به﴾ أي عفا عن القصاص ممن يستحقه سواء كان هو المجروح إن كان باقياً أو وارثه إن كان هالكاً ﴿فهو﴾ أي التصدق بالقصاص ﴿كفارة له﴾ أي ستارة لذنوب هذا العافي ولم يجعل لهم دية، إنما هو القصاص أو العفو، فمن حكم بما أنزل الله على وجه الاستمرار ﴿بما أنزل الله﴾ أي الذي لا كفوء له فلا أمر لأحد معه لخوف أو رجاء، أو تديناً بالإعراض عنه سواء حكم بغيره أو لا ﴿فأولئك﴾ أي البعداء عن طريق الاستقامة، البغضاء إلى أهل الكرامة ﴿هم الظالمون﴾ أي الذي تركوا العدل فضّلوا، فصاروا كمن يمشي في الظلام، فإن كانا تديناً بالترك كان نهاية الظلم وهو الكفر، وإلا في الزنا نحو ما تقدم ثم قال : وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها ﴿فاحكم بينهم أو أعرض عنهم﴾ [ المائدة : ٤٢ ] إلى :﴿المقسطين﴾ إنما نزلت في الدية بين بني النضير وبني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير وكان لهم شرف - يؤدون الدية الكاملة وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله ﷺ فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله ﷺ على الحق في ذلك فجعل الدية سواء " قال ابن إسحاق : فالله أعلم أيّ ذلك كان! وأخرجه النسائي في سننه من طريق ابن إسحاق، وروي من طريق آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً، قال : كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، وكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قُتِل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدى مائة وسق من تمر، فلما بعث النبي ﷺ قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فقالوا : ادفعوه إلينا نقتله فقالوا : بيننا وبينكم النبي ﷺ فأتوه فنزلت


الصفحة التالية
Icon