الثانية روى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن طاوس قال : كان إذا سألوه عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض يقرأ هذه الآية ﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ ﴾ فكان طاوس يقول : ليس لأحد أن يفضل بعض ولده على بعض، فإن فعل لم ينفذ وفِسخ ؛ وبه قال أهل الظاهر.
وروي عن أحمد بن حنبل مثله، وكرهه الثوري وابن المبارك وإسحاق ؛ فإن فعل ذلك أحد نفذ ولم يردّ، وأجاز ذلك مالك والثوري والليث والشافعي وأصحاب الرأي ؛ واستدلوا بفعل الصدّيق في نحله عائشة دون سائر ولده، وبقوله عليه السلام :" فارجعه " وقوله " فأشهِد على هذا غيري " واحتج الأولون ب " قوله عليه السلام لبشِير :"ألك ولد سوى هذا" قال نعم، فقال :"أَكلّهم وهبتَ له مثل هذا" فقال لا، قال :"فلا تُشهدني إذاً فإني لا أشهد على جَوْر" " في رواية " وإني لا أشهد إلا على حق " قالوا : وما كان جَوْراً وغير حق فهو باطل لا يجوز.
وقوله :" أشهِد على هذا غيري " ليس إذناً في الشهادة وإنما هو زجر عنها ؛ لأنه عليه السلام قد سماه جَوْراً وامتنع من الشهادة فيه ؛ فلا يمكن أن يشهد أحد من المسلمين في ذلك بوجه.
وأما فعل أبي بكر فلا يعارض به قول النبي ﷺ، ولعله قد كان نَحَل أولاده نُحلاً يعادل ذلك.
فإن قيل : الأصل تصرف الإنسان في ماله مطلقاً، قيل له : الأصل الكلي والواقعة المعينة المخالفة لذلك الأصل لا تَعَارض بينهما كالعموم والخصوص.
وفي الأصول أن الصحيح بناء العام على الخاص ؛ ثم إنه ينشأ عن ذلك العقوق الذي هو أكبر الكبائر، وذلك محرّم، وما يؤدي إلى المحرّم فهو ممنوع ؛ ولذلك قال ﷺ :" اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال النعمان.
فرجع أبي فرد تلك الصدقة، والصدقة لا يعتصرها الأب بالإنفاق وقوله :" فارجعه " محمول على معنى فاردده، والرد ظاهر في الفسخ ؛ كما قال عليه السلام :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " أي مردود مفسوخ.


الصفحة التالية