وقال أبو حيان وحسن الحذف في الآية شبه ﴿ يَبْغُونَ ﴾ برأس الفاصلة فصار كالمشاكلة، وزعم أن القراءة المذكورة خطأ خطأ كما لا يخفى، وقرأ قتادة ﴿ أَفَحُكْمَ ﴾ بفتح الفاء والحاء والكاف، أي أفحاكما كحكام الجاهلية يبغون وكانت الجاهلية تسمى من قبل كما أخرج ابن أبي حاتم عن عروة عالمية حتى جاءت امرأة فقالت يا رسول الله كان في الجاهلية كذا وكذا فأنزل الله تعالى ذكر الجاهلية وحكم عليهم بهذا العنوان.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً ﴾ إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكم الله تعالى، أو مساو له كما يدل عليه الاستعمال وإن كان ظاهر السبك غير متعرض لنفي المساواة وإنكارها ﴿ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ أي عند قوم، فاللام بمعنى عند، وإليه ذهب الجبائي، وضعفه في "الدر المصون"، وصحح أنها للبيان متعلقة بمحذوف كما في ﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ] وسقياً لك، أي تبين وظهر مضمون هذا الاستفهام الإنكاري لقوم يتدبرون الأمور ويتحققون الأشياء بأنظارهم وأما غيرهم فلا يعلمون أنه لا أحسن حكماً من الله تعالى، ولعل من فسر بعند أراد بيان محصل المعنى، وقيل : إن اللام على أصلها، وأنها صلة أي حكم الله تعالى للمؤمنين على الكافرين أحسن الأحكام وأعدلها، وهذه الجملة حالية مقررة لمعنى الإنكار السابق. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ﴾
فَرّعت الفاء على مضمون قوله :﴿ فإن تولّوا فاعلم ﴾ [ المائدة : ٤٩ ] الخ استفهاماً عن مرادهم من ذلك التولّي، والاستفهام إنكاري، لأنّهم طلبوا حكم الجاهليّة.
وحكم الجاهليّة هو ما تقرّر بين اليهود من تكايُل الدّماء الّذي سرى إليهم من أحكام أهل يثرب، وهم أهلُ جاهلية، فإنّ بني النضير لم يرضوا بالتساوي مع قريظة كما تقدّم ؛ وما وضعوه من الأحكام بين أهل الجاهلية، وهو العدول عن الرجم الّذي هو حكم التّوراة.


الصفحة التالية
Icon