وقال البيضاوى :
﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ ﴾ الذي هو الميل والمداهنة في الحكم، والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى. وقيل نزلت في بني قريظة والنضير طلبوا إلى رسول الله ﷺ أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى. وقرىء برفع الحكم على أنه مبتدأ، و﴿ يَبْغُونَ ﴾ خبره، والراجع محذوف حذفه في الصلة في قوله تعالى :﴿ أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً ﴾ واستضعف ذلك في غير الشَعر وقرىء أفحكم الجاهلية أي يبغون حاكماً كحكام الجاهلية يحكم بحسب شهيتهم. وقرأ ابن عامر "تبغون" بالتاء على قل لهم أفحكم الجاهلية تبغون. ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ أي عندهم، واللام للبيان كما في قوله تعالى :﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾ أي هذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الذين يتدبرون الأمور ويتحققون الأشياء بأنظارهم فيعلمون أن لا أحسن حكماً من الله سبحانه وتعالى. أ هـ ﴿تفسير البيضاوى حـ ٢ صـ ٣٣٣﴾
وقال أبو حيان :
﴿ أفحكم الجاهلية يبغون ﴾ هذا استفهام معناه الإنكار على اليهود، حيث هم أهل كتاب وتحليل وتحريم من الله تعالى، ومع ذلك يعرضون عن حكم الله ويختارون عليه حكم الجاهلية، وهو بمجرد الهوى من مراعاة الأشرف عندهم، وترجيح الفاضل عندهم في الدنيا على المفضول، وفي هذا أشد النعي عليهم حيث تركوا الحكم الإلهي بحكم الهوى والجهل.
وقال الحسن : هو عام في كل من يبتغي غير حكم الله.
والحكم حكمان : حكم بعلم، فهو حكم الله.
وحكم بجهل فهو حكم الشيطان.
وسئل عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية.
﴿ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ﴾ أي لا أحد أحسن من الله حكماً.
وتقدّم ﴿ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ﴾ فجاءت هذه الآية مشيرة لهذا المعنى والمعنى : أن حكم الله هو الغاية في الحسن وفي العدل.
وهو استفهام معناه التقرير، ويتضمن شيئاً من التكبر عليهم.