ومن فوائد أبى حيان فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ﴾ لما ذكر تعالى أنه أنزل التوراة فيها هدى ونور، ولم يذكر من أنزلها عليه لاشتراك كلهم في أنها نزلت على موسى، فترك ذكره للمعرفة بذلك، ثم ذكر عيسى وأنه آتاه الإنجيل، فذكره ليقروا أنه من جملة الأنبياء، إذ اليهود تنكر نبوّته، وإذا أنكرته أنكرت كتابه، فنص تعالى عليه وعلى كتابه.
ثم ذكر إنزال القرآن على رسول الله ﷺ، فذكر الكتاب، ومن أنزله مقرّراً لنبوّته وكتابه، لأن الطائفتين ينكرون نبوته وكتابه.
وجاء هنا ذكر المنزل إليه بكاف الخطاب، لأنه أنص على المقصود.
وكثيراً ما جاء ذلك بلفظ الخطاب لأنه لا يلبس البتة وبالحق : ملتبساً بالحق ومصاحباً له لا يفارقه، لما كان متضمناً حقائق الأمور، فكأنه نزل بها.
ويحتمل أن يتعلق بأنزلنا أي : أنزلناه بأن حق ذلك، لا أنه وجب على الله، لكنه حق في نفسه.
والألف واللام في الكتاب للعهد وهو القرآن بلا خلاف.
وانتصب مصدقاً على الحال لما بين يديه، أي : لما تقدمه من الكتاب.
الألف واللام فيه للجنس، لأنه عنى به جنس الكتب المنزلة، ويحتمل أن تكون للعهد، لأنه لم يرد به ما يقع عليه اسم الكتاب على الإطلاق، وإنما أريد نوع معلوم منه، وهو ما أنزل السماء سوى القرآن.
والفرق بينهما أنه في الأوّل يحتاج إلى تقدير الصفة، وأنها حذفت، والتقدير : من الكتاب الإلهي.
وفي الثاني لا يحتاج إلى هذا التقدير، لأن العهد في الاسم يتضمن الاسم به جميع الصفات التي للاسم، فلا يحتاج إلى تقدير حذف.
ومهيمناً عليه أي أميناً عليه، قاله ابن عباس في رواية التيمي، وابن جبير، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، والحسن.
وقال ابن جريج : القرآن أمين على ما قبله من الكتب، فما أخبر أهل الكتاب عن كتابهم فإن كان في القرآن فصدّقوا، وإلا فكذبوا.


الصفحة التالية
Icon