ولما كان التقدير : فإنهم بالتولي فاسقون، عطف عليه :﴿وإن كثيراً من الناس﴾ أي هم وغيرهم ﴿لفاسقون﴾ أي خارجون عن دائرة الطاعات ومعادن السعادات، متكلفون لأنفسهم إظهار ما في بواطنهم من خفي الحيلة بقوة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٧٨ ـ ٤٧٩﴾
فصل
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله ﴾ تقدم الكلام فيها، وأنها ناسخة للتخيير.
قال ابن العربي : وهذه دعوى عريضة ؛ فإن شروط النسخ أربعة : منها معرفة التاريخ بتحصيل المتقدّم والمتأخر، وهذا مجهول من هاتين الآيتين ؛ فامتنع أن يدعى أن واحدة منهما ناسخة للأُخرى، وبقي الأمر على حاله.
قلت : قد ذكرنا عن أبي جعفر النحاس أن هذه الآية متأخرة في النزول ؛ فتكون ناسخة إلا أن يقدّر في الكلام ﴿ وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله ﴾ إن شئت ؛ لأنه قد تقدّم ذكر التخيير له، فآخر الكلام حُذف التخيير منه لدلالة الأوّل عليه ؛ لأنه معطوف عليه، فحكم التخيير كحكم المعطوف عليه، فهما شريكان وليس الآخر بمنقطع مما قبله ؛ إذ لا معنى لذلك ولا يصح، فلا بد من أن يكون قوله :﴿ وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله ﴾ معطوفاً على ما قبله من قوله :﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُمْ بالقسط ﴾ [ المائدة : ٤٢ ] ومن قوله :﴿ فَإِن جَآءُوكَ فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ [ المائدة : ٤٢ ] فمعنى ﴿ وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله ﴾ أي أحكم بذلك إن حكمت واخترت الحكم ؛ فهو كله محكم غير منسوخ ؛ لأن الناسخ لا يكون مرتبطاً بالمنسوخ معطوفاً عليه، فالتخيير للنبي ﷺ في ذلك محكم غير منسوخ، قاله مكي رحمه الله.
"وَأَنِ احكم" في موضع نصب عطفاً على الكتاب ؛ أي وأنزلنا إليك أن احكم بينهم بما أنزل الله، أي بحكم الله الذي أنزله إليك في كتابه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال الآلوسى :